فرنسا بعد الموصل والرقة: خشية عودة الاعتداءات إلى الديار

فرنسا بعد الموصل والرقة: خشية عودة الاعتداءات إلى الديار

28 أكتوبر 2016
هاربون من معارك الموصل (إدريس أوكودوشو/الأناضول)
+ الخط -

"استعادة الموصل ليست هدفاً نهائياً، ويجب علينا استباق تداعيات تحريرها"، حسبما ألح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، يوم الثلاثاء، خلال اجتماع وزراء دفاع التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في باريس. وما قصد به هولاند بـ"التداعيات"، يكمن أساساً في خطر عودة الجهاديين الأوروبيين، الذين يقاتلون في صفوف التنظيم، ويتراوح عددهم ما بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف مسلح، إلى التراب الأوروبي والقيام بعمليات إرهابية. مع العلم أنه من بين هؤلاء يوجد 600 مقاتل فرنسي في الموصل العراقية والرقة السورية.

انطلاقاً من هذا السياق، يكمن السعي الفرنسي لإقناع دول التحالف بتسريع الهجوم على الرقة، لقطع الطريق على المسلحين والإجهاز عليهم، قبل أن ينجحوا في التسلل من العراق وسورية في اتجاه الدول الأوروبية. كما كان هولاند واضحاً في تحذيراته، إذ أكد بأن تحييد هذا الخطر يكمن في خوض معركتي الموصل والرقة، بالتزامن وتقاسم المعلومات الاستخباراتية بين دول التحالف الذي بات، بحسب الرئيس الفرنسي، "ضرورة قصوى".



والواقع أن الأجهزة الأمنية الفرنسية تخطط منذ مدة لمعرفة مصير 300 مسلح فرنسي يتواجدون حاليا في الموصل و300 آخرين في الرقة. وتعمل على "تخمين" دورهم المحتمل في استراتيجية جديدة، قد يكون "داعش" وضعها مسبقاً في إطار مرحلة ما بعد سقوط معقلي "الخلافة" في الموصل والرقة. بالتالي إن أشدّ ما يخشاه الفرنسيون هو أن يكون التنظيم قد جهّز سلفاً هؤلاء في إطار خطة شاملة، تنقل الجهاد من المعاقل إلى عقر بلدان التحالف الدولي، لتنفيذ سلسلة اعتداءات وهجمات منظمة على شاكلة الهجمات التي كان يقوم بها تنظيم "القاعدة" بقيادة أسامة بن لادن، أي العودة إلى تنظيم متحرك ومتفرق جغرافياً وقادر على الضرب في مختلف أنحاء العالم خاصة في الدول الغربية.

وحسب مصادر مقربة من وزارة الدفاع الفرنسية، فإن باريس حذت حذو واشنطن وأرسلت مسبقاً مجموعة من القوات الخاصة، المتواجدة في المحور الشمالي للموصل، إلى جانب قوات "البشمركة"، ستكون مهمتها الأساسية في حال سقوط المدينة "جمع المعلومات التي سيتم التوصل إليها من أرشيف التنظيم ومعداته وأجهزته الإلكترونية وتحليلها من أجل رصد معالم خطة التنظيم للقيام باعتداءات في الدول الغربية".

كما أن هذه المجموعة ستحاول أن تضع يدها على المقاتلين الفرنسيين، أحياء إنْ أمكن، لتصل إلى علبة أسرار مهمة قد تميط اللثام عن خبايا كثيرة بشأن الاعتداءات الإرهابية المخطط لها في فرنسا. وعلى رأس هؤلاء المدعو رشيد قسيم، وهو الشخص الذي تشتبه الأجهزة الفرنسية بكونه يقف وراء عملية اغتيال ضابط فرنسي وزوجته في ماغنانفيل في 13 يونيو/ حزيران الماضي، واغتيال كاهن في كنيسة سانت إتيان دوروفري، في 26 يوليو/ تموز. كما يُعتبر مشتبهاً به في محاولة تفجير سيارة مفخخة في باريس في 3 سبتمبر/ أيلول الماضي.

وفي موازاة ذلك، ستقوم القوات الفرنسية الخاصة في الرقة بالمهمة نفسها، لتعقب المقاتلين الفرنسيين، ومن بينهم حوالي مائة عنصر، يعتبرون في غاية الخطورة، لتمرّسهم في القتال ووصولهم لمراتب متقدمة في هرمية التنظيم. وتتطلع الأجهزة الفرنسية إلى وضع يدها على العقول المدبرة التي بعثت عبد الحميد أبا عود ومجموعته لتنفيذ اعتداءات 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 الدموية في باريس وسان دوني، والتي خططت أيضاً لاعتداءات بروكسل البلجيكية.

في المقابل، اعتبر مراقبون أنه من الساذج أن تستخف الأجهزة الأمنية الغربية بقدرات تنظيم "داعش" وقادته، الذين قد يكونون وضعوا خطة مسبقة لبث الرعب الإرهابي عبر خلايا تم زرعها أشهراً عدة قبل معركة الموصل في مناطق مختلفة من العالم. وقد تتحرك لتنفيذ مهماتها الانتحارية في توقيت متفق عليه مسبقاً. كما أن عشرات الأشخاص المتأثرين بخطاب "داعش" في البلدان الغربية قد يتحركون من تلقاء أنفسهم لتنفيذ اعتداءات إرهابية، انتقاماً لسقوط الموصل والرقة، من دون الحاجة إلى تعليمات محددة، مثلما كان عليه الحال في الأشهر الأخيرة في فرنسا وألمانيا وفي الولايات المتحدة.

ووفقاً لمصادر مقربة من الرئاسة الفرنسية، فإن هولاند بذل جهوداً كبيراً في الأيام الأخيرة لإقناع نظرائه في التحالف الدولي، بأن الحرب ضد "داعش" لن تتوقف في الموصل، ولا حتى في الرقة، بل يجب من الآن استيعاب واستباق مرحلة انتقالية تنتقل من سياسة المعاقل إلى حرب العمليات الإرهابية المنظمة على نطاق واسع، ضمن استراتيجية رعب موجهة ضد الغرب في عقر داره.