فرنجية أو الحرب؟

فرنجية أو الحرب؟

05 ديسمبر 2015
تلويح ضمني بسيناريوهات سوداء أو انتخاب فرنجية(حسين بيضون)
+ الخط -
في أيام مشابهة من شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2009، أقفل الأمين العام لتيار المستقبل في لبنان أحمد الحريري على نفسه أبواب منزله وبقي جالساً فيه لأيام. ترك هاتفه وحركة اتصالاته النشيطة وتحركاته السريعة بين الناس ومسؤولي التيار وجلس في غرفته. كان زعيم تيار المستقبل، ابن خاله، سعد الحريري، قد وصل إلى دمشق للقاء رئيس النظام فيها، بشار الأسد. لم يتمكّن أحمد الحريري من رؤية المشهد، فأطفأ كل الأجهزة من حوله وغطّ في ظلمة المنزل يراجع أفكاره. لم يتحمّل مشهد مصافحة ابن رفيق الحريري للأسد المتّهم باغتيال خاله رئيس حكومة البلاد رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005، والمتهم نظامه أيضاً بتدبير عشرات محاولات الاغتيال في لبنان منذ عام 1975 حتى الأمس القريب، إضافة إلى قمع ووصاية واحتلال.

تخطّى أحمد الحريري تلك المرحلة واستعاد نشاطه تلقائياً بعد اكتشافه أنّ الألعاب السياسية أبعد من خطاب يلقيه بين مسؤولي المستقبل أو وعد يقطعه لشهيد سقط في سيارة مفخخة على يد أشباح لم تتوضّح هويتهم الفعلية بعد. ومع مضي التجربة السياسية وتراكم خبراتها، وصل الحريري نفسه إلى القول قبل أيام: "لا كلمة تعلو على كلمة سعد الحريري في تيار المستقبل". أعاد أحمد الحريري بلحظة كل الأوهام التي نسجها المستقبليون حول أنفسهم بأنّ تيارهم متحرّر من الاستزلام وإسقاطات الزعيم الواحد، ولو أن كل شيء يدلّ على العكس أساساً. بنى أحمد الحريري، كقائد تنظيمي، هذه الأوهام وهدمها بنفسه. قرّر دخول السياسة من بابها العريض، العمل السياسي الفعلي أي صون المصالح أولاً وأخيراً. فاعتبر في لقاء مع عائلات من بيروت أنّ ترشيح المستقبل لحليف بشار الأسد، النائب سليمان فرنجية، لرئاسة الجمهورية خشبة خلاص للبنان، هي تسوية إن فشلت تعني "ان رئيس الجمهورية سيُنتخب بالدماء. فهل نريد أن نكرر حرباً أهلية ثانية"؟ أو كأنه يقول: سليمان فرنجية أو الحرب الأهلية.

بات أحمد الحريري لاعباً سياسياً جدياً، إذ أكد للجميع أنه يُتقن لغة التخويف والتهويل التي يمكن من خلالها الإمساك بعقول الناس قبل قلوبهم. لكن نظرية "فرنجية أو الحرب"، تتطلّب بعض التفكير، فما الفرق بين فرنجية –وهو امتداد لنظام الأسد- والحرب؟ الخيار واقع إذاً بين الحرب والحرب. على الأرجح، لم يدفع الواقع السياسي الجديد أحمد الحريري إلى العودة إلى منزله وإطفاء الأنوار والجلوس والتفكير بالخطوة الجديدة، فهو بات يتقن اللعبة السياسية وألعاباً مماثلة لا وقت أو حاجة أو مجال للتفكير فيها، فقط ترداد الخطاب وتبنّيه.