فرصة الفقراء

فرصة الفقراء

06 ابريل 2020
تتخذ تونس تدابير عدة لمواجهة كورونا (ياسين قائدي /الأناضول)
+ الخط -
لا أحد يعرف إلى أين ولا كيف ستسير الأمور مع وباء كورونا، قد تتطلب الحرب عليه فترة طويلة وأسلحة جديدة، لكن العجائز في أحيائنا الشعبية يصرّون على أنها أزمة وستمر، وهم يقولون ذلك لأن لا شيء يدوم وهذه خبرة السنين التي تتكلم ولا دخل للأدوات الرقمية في تحليلها.

لكن كورونا ليس كله مساوئ واللوحة ليست سوداء بالكامل، ولعل أكبر الخاسرين من المعركة هم أغنياء الأرض، لأن فقراءها وكأنهم استيقظوا من غفلة طويلة دامت دهوراً، وتيقن بعضهم أنه ما من سبيل إلا التعويل على أنفسهم والبحث في كل ركن من البيت/ الوطن عن عقول تم تجاهلها سنوات وقدرات أهملت أمام الاستيراد الأعمى لكل ما يحدث غرباً، وعن كفاءات عاملة انتبهوا إلى أنها قادرة أيضاً على أن تشكل عمالة وطنية بإمكانها إرضاء السوق الداخلية بالكامل وتلبية كل الاحتياجات.
وفجأة اكتشفنا أننا قادرون على صنع الروبوت في بلداننا الفقيرة مثل اليابان تماماً، ووضع تطبيقات في يومين، ومنصات للتعليم عن بعد مثل أي دولة أوروبية وابتكار آلات الأوكسيجين والأدوية وإنتاج الكمامات وبيوت التعقيم مثل سويسرا، ونجحت مصانع التحويل الغذائي في إغراق السوق على الرغم من لهفة المواطنين وخوفهم من المجهول، وكل هذا بفضل كفاءات شابة تطوعت لوحدها ووجدت أخيراً من يصغي إليها، لأن كل هذه المواد مفقودة من السوق العالمية ولا إمكانية لشرائها كما جرت عادة المسؤولين الذين لا يثقون بالقدرات الداخلية، بل إن دولاً أصبحت تقرصنها في وضح النهار بعد أن كشفت حقيقة الإنسان عن وجهها الحقيقي في أكثر من بقعة من الأرض.

ولعل كورونا جاء ليدفعنا إلى إعادة النظر في خياراتنا، وينبهنا إلى ما تكتنز به بلداننا من عقول وأيادٍ قديرة وقادرة، ولعلها فرصة الفقراء في كل مكان لإعادة اكتشاف أنفسهم وكنوزهم المهملة على مدى قرون، إذ تم تنويمنا فيها والضرب على أدمغتنا بأنها ليست قادرة ولا يمكنها الإسهام في الجهد الإنساني، ولا سبيل أمامها إلا انتظار ما يتوصل إليه الآخرون. إنها فرصة الفقراء الحقيقية التي لا تتاح إلا نادراً تاريخياً، على أمل ألا يضيّعها الجبناء مرة أخرى.