فخ الفقر يطبق على نصف اللبنانيين

فخ الفقر يطبق على نصف اللبنانيين بعد انهيار الليرة وتآكل الرواتب

06 يوليو 2020
التدهور المعيشي أجّج حراك الشارع من جديد (فرانس برس)
+ الخط -

يكاد فخ الفقر يطبق على نصف اللبنانيين بنتيجة اتساع دائرة البطالة وإقفال آلاف المؤسسات وانهيار قيمة العملة الوطنية وما أدى إليه من تآكل للرواتب والأجور في بلد يعاني شحاً خطيراً في السيولة أوقعه في براثن التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

وبات شغل شريحة واسعة من اللبنانيين، تأمين تكاليف المعيشة اليومية، في وقت تعاني فيه السوق من تراجع حاد في الطلب، وارتفاع في نسب تسريح العمالة، بينما حال اللاجئين أكثر صعوبة، بحسب متابعين.

فقر يجتاح نصف السكان

الباحث في الشركة الدولية للمعلومات (أهلية)، محمد شمس الدين، قال إن نسبة الفقر في البلاد تقترب من 55% أي قرابة 2.3 مليون فرد، مع توسع دائرة الأزمة إلى مالية ونقدية وتشغيلية.

وقال شمس الدين للأناضول، إن نسبة الفقرة مقسمة بين 25% من الإجمالي، أي مليون مواطن، يعيشون دون خط الفقر، ما يعني أن دخلهم لا يكفي لتوفير الكميات الكافية والضرورية من الطعام.

"بينما هناك 30% (1.3 مليون فرد)، يعيشون فوق خط الفقر أي دخلهم يكفي للغذاء، ولكن لا يمكنهم توفير المسكن واللبس المناسبين".

وفقد الحد الأدنى للأجور 83% من قيمته منذ اشتداد الأزمة المالية؛ وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، إن الحد الأدنى تراجع عمليا من 450 دولارا إلى 75 دولارا، بسبب فروقات سعر الصرف.

وقال للأناضول: "جاء ذلك نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية إذ بات الدولار الواحد يوازي 9000 ليرة لبنانية، بعد أن كان يوازي 1500 ليرة، فالعملة فقدت 78% من قيمتها".

"المشكلة ليست فقط في تدهور قيمة الأجور، إنما الأعمال والحركة الاقتصادية متوقفة، وهذا يُسمى الركود الاقتصادي".

وبالتزامن مع ارتفاع الأسعار وانهيار أسعار الصرف، تواجه البلاد أزمة شح الوقود، وقبله توفير النقد الأجنبي اللازم لاستيراده.

وقال مارديني: "مصرف لبنان يدعم استيراد الوقود، أي أن حرق الوقود لتوليد الطاقة، يعني استنزاف مصرف لبنان المركزي النقد الأجنبي للشراء... وقد يصل مصرف لبنان إلى مرحلة يعجز فيها عن توفير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد وقود الطاقة".

قطاع اللحوم

ووسط هذه الأزمات، يسعى المواطنون إلى التأقلم مع تطورات أسعار السلع وأسواق الصرف، حتى في عمليات الاستهلاك الغذائية، ومنها اللحوم.

في حديثٍ مع الأناضول، كشف جوزيف الهبر نقيب تجار اللحوم، أن "القطاع قادر على الصمود لمدة تتراوح بين 20 و25 يوما ليس أكثر".

وأضاف الهبر: "إذا بقي ارتفاع سعر صرف الدولار بهذا الشكل، فالقطاع سيتوقف بشكل نهائي، إن كان لناحية استيراد اللحوم المبردة والمجمدة، أو اللحوم الحية.. نستورد سنويا 25 ألف طن.. هذا العام نستورد كمية لا تذكر".

وشدد على أن ثمن كيلو اللحم بات يبلغ 40 دولارا بعد أن كان يبلغ 11 دولارا، نتيجة تغيرات أسعار الصرف، مؤكدا أن "هذا الرقم مرشح للارتفاع مع ارتفاع سعر صرف الدولار".

وحول تضرّر الملاحم جراء الأزمة، أجاب: "35% من محال الجزارين أقفلت بشكلٍ نهائي، وهناك 20 بالمئة من من السوبرماركت ستقفل فروع بيع اللحوم لديها".

وسرّعت الاحتجاجات الشعبيّة التي انطلقت في 17 أكتوبر/ تشرين الأوّل وتيرة الانحدار للاقتصاد وسط قطع طرقات وشوارع رئيسيّة في البلاد، وما ضاعف من حدّة الأزمة الإغلاق التامّ الذي دام أسابيع متواصلة لاحتواء جائحة كورونا.

غياب السلع

في سياق غير منفصل، تحدث عبدو مكرزل صاحب محل سمانة (فرن الشباك شرق بيروت)، عن انعكاس الأوضاع الاقتصادية على قدرته في تأمين البضاعة.

وأشار إلى أن "البضاعة ارتفعت قيمتها بنسبة 200%... هناك 10% من البضاعة ليس باستطاعته تأمينها من أي تاجر في سوق الجملة لأنها لم تعد متوفرة".

ولم يُنكر مكرزل أنه بات يقتصد في حيازة البضاعة، قائلًا: "قمت بالاستغناء عن السكاكر التي ارتفعت قيمتها وعن الأمور الثانوية، إذ أصبحت أؤمن لزبائني حاجاتهم الأساسية كالحليب والحبوب والمعلبات".

ووسط الظروف الاستثنائية، أطلقت اللبنانية هلا دحروج، مبادرة إنسانية هدفها المقايضة في السلع عبر صفحة "فيسبوك" تحت اسم "ليبان تروك".

وقالت: "أسست المجموعة لتكون متاحة لكل فرد بحاجة إلى الإعلان عن خدمات أو أغراض يملكها، ويرغب في استبدالها بخدمات أو حاجات ضرورية".

وأكّدت: "هناك من يعرض فناجين قهوة يمتلكها عبر الصفحة ويحصل في المقابل على كيس حليب أو ربطة خبز"، لافتة إلى أن "هذه المبادرة كشفت عن عائلات من الطبقة المتوسطة تبدلت حالتها الاجتماعية للأسوأ".

وإلى جانب الأزمة الاقتصاديّة الخانقة، يعاني لبنان من انقسام واستقطاب سياسي حاد، خاصّة منذ تشكيل الحكومة الحاليّة، برئاسة حسان دياب، في 11 فبراير/ شباط الماضي، خلفًا لحكومة سعد الحريري، التي استقالت في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبيّة.

المساهمون