فخ استثمار القوة

15 اغسطس 2014
+ الخط -

ادعاء يسوقه بعضهم بعنوان "استهداف السنَّة" يعتبر من المصطلحات المهمة التي يجب التوقف عندها، والتفكُّر فيها ملياً، ذلك أن نتائج هذا الادعاء أدخلت مساحات كبيرة من العالم الإسلامي في أتون حروب طائفية ومذهبية، كانت لها آثار كارثية على بلدانٍ ومجتمعات بأكملها. والسؤال الذي يفرض نفسه، هنا، هو عن الأسباب والمبررات والعوامل الموضوعية والمنطقية التي ولَّدت شعوراً بالاستهداف كهذا، إن وجد.

طبيعي أن يكون هناك استهداف للإسلام، وهو ليس استهدافاً حديث العهد، بل تاريخي من كل من اعتقد أن الإسلام يشكل تهديداً لوجوده أو حضارته. واستهدافٌ كهذا يندرج في سياق الصراعات التاريخية الطبيعية السائدة بين الأمم والحضارات والإمبراطوريات والدول، ويمكن تأكيد الشعور بهذا الاستهداف بالاطلاع على آراء كتاب ومستشرقين، خلصوا إلى تبني فكرة تفكيك الإسلام، وبدأ الغرب منذ قرون ترجمة تلك الفكرة من خلال حراك وتغلغل فكري وإعلامي وثقافي، في المجتمعات الإسلامية والعربية، عبر مؤسسات كبيرة في مختلف مجالات الحياة.

وعلى الصعيد العسكري، تُرجمت الفكرة بالحملات الاستعمارية والاحتلال والانتداب والهيمنة والاختراق والمخططات التقسيمية، والعمل على فرض الخرائط الجيوسياسية التي رُسمت للمنطقة.

لكن، ما يفوت بعضهم هنا، أن هذا الاستهداف هو للإسلام بكليته، وليس لمكون محدد من مكوناته، مهما كان صغيراً، فكيف الحال، والكلام هنا عن استهداف المكون الغالب للمسلمين في العالم وعبر التاريخ، فالمسلمون الذين يتبعون المذهب السنّي هم السواد الأعظم من المسلمين، وأي استهداف، هنا، هو في المحصلة استهداف للإسلام كله.

من الواضح أن هناك من الحقائق والمبررات ما يجعل مصطلح "استهداف السنَّة" مصطلحاً غير صحيح وغير نزيه، ويضعه ضمن مصطلحاتٍ يُراد لها أن تشارك في صب الزيت على نيران كثيرة، مشتعلة على امتداد جغرافيا الوجود الإسلامي في العالم كله.

وتثبت لنا حوادث من التاريخ، وأخرى تحدث الآن، أن هناك من يسعى، دائماً، إلى بث روح الفتنة وزرع الخلاف بين أبناء منطقتنا العربية وأمتنا الإسلامية، بإيجاد نقاط اختلاف بين مكوناتهما استناداً إلى قضايا خلافية، وتفاسير واجتهادات وفتاوى دينية، يمكن أن تُعتمد مبررات ومرجعيات للتعامل بعدائية وعنف مع المكونات الأخرى.

ومما هو واضح للجميع أن الإرهاب أثبت أنه أكثر أسلحة الدمار الشامل نجاعةً بيد من يمتلك مفاتيحه، ويتحكم بخيوطه، فهو يؤدي الهدف المطلوب منه، من دون أن تترتب على مشغله أي تبعات سلبية مباشرة.

بل نجد أن أهدافه تتحقق بأعلى نسبة، وبأفضل جودة، وبأدوات محلية وداخلية من قلب الشعوب والمجتمعات والدول المستهدَفة، وأثبت الدين، على اختلاف مشاربه وطوائفه ومذاهبه المتعددة، أنه القاسم المشترك الأعظم والأهم الذي يمكن أن يجمع حشوداً ومجاميع بشرية مستعدة لخوض غمار أي حرب. بالتالي، خرجت من تزاوج هاتين الفكرتين ظاهرة الإرهاب الذي يتخذ من الدين مبرراً لوجوده.

وفي العالم الإسلامي ودوله الكثيرة، التي تصنف من دول العالم الثالث، وتعاني ما تعانيه من فقر وجهل وتردٍ في معظم مجالات الحياة، نجد أن الضخ الهائل من مؤسسات ضخمة، ووسائل إعلام، وهيئات ومنظمات وأشخاص وجمعيات، واستثمارها مناخاتٍ غير صحيحة، وبتوجيهٍ وتشجيعٍ وتسهيلٍ مدروسٍ وممنهجٍ من جهاتٍ متطرفةٍ ومشبوهةٍ وغير نزيهة ومرتبطةٍ بأجهزةٍ استخباراتيةٍ لدولٍ مختلفةِ الغايات والأهداف، أو لديها أجندات معينة، تعمل عليها، إضافة إلى هَوَسِ كثيرين في استعادة أمجادٍ سالفةٍ، وامبراطورياتٍ زائلةٍ، وذلك كله في مجتمعات فقيرة، ويغلب عليها الجهلُ والاضطهادُ، وشبابٌ يفتقدُ إلى أغلب متطلبات العيش والحياة الكريمة.

وما يجب أن نفهمه أن الفكر الذي أبدع فكرة الإرهاب الديني كان حريصاً على زرع هذه الفكرة الهدَّامة في الشريحة الأوسع والأكبر من أهل الدين الإسلامي. لذلك، كان المذهب السنِّي الذي تتبعه الشريحة الأكبر من المسلمين، البيئة التي اختارها أصحاب هذه المؤامرة لتكون حاضنة هذه الفكرة، وتستطيع هذه الشريحة أن تؤمِّن، من حيث النسبة والتناسب، أوسع قاعدة جماهيرية، تمكنه من حشد أعداد كبيرة، خلف شعارات وعناوين تكون كلام حق يراد به باطل.

ومعلوم أنه كلما كثر عدد المنتسبين لأي عقيدة، زادت إمكانية إحداث شروخ ونقاط ضعف وإيجاد قضايا خلافية، خصوصاً عندما ينتشر ويتوزع منتسبو هذه العقيدة على مناطق جغرافية كثيرة، وضمن مجتمعاتٍ بشريةٍ تختلف عاداتها وتقاليدها وبيئاتها الاجتماعية ومستويات التعليم والمعرفة، ومستويات الفقر والغنى، ومستويات الحرية والكبت والحرمان والحقوق المدنية، وغير ذلك من ظروفٍ تساعد على وجود هوامش كبيرة، لبث الخلل وزرع معايير غير سليمة للتعاطي مع العقيدة الدينية.

ولهذا السبب؛ ومما سبق، نجد أن أهل السنة لم يختاروا أن يكونوا حاضنة لهذا الفكر، ولن يكونوا كذلك، بل حجم حضورهم ونسبتهم الغالبة في الأمة الإسلامية هي التي فرضت ذلك، على الرغم من بعدهم، كل البعد، في عقيدتهم وإيمانهم وفكرهم وحياتهم وعبادتهم عن هذا الفكر غير السليم، ليصبح الاعتقاد، أو الادعاء بعد ذلك كله بأن هناك استهدافاً للسنَّة، اعتقاداً وادعاءً لا أساس لهما من الصحة، وخصوصاً أن الإسلام برمته بريء من الإرهاب، وأن الإرهاب، في الحقيقة، لا دين له، وأن محاربة ومكافحة أي مجموعة إرهابية أو تنظيم إرهابي، رداً على إرهابه وارتكاباته وخروجه على القوانين والشرائع، لا يمكن أن يعتبر استهدافاً للسنَّة كما يريد البعض لنا أن نفهم.

ومهما كانت الذرائع والحجج التي يسوقها هذا التنظيم لتبرير وجوده، أو أفعاله، وأياً كانت حوامله الدينية، والجهات التي تقف خلفه وتدعمه، هو، في الحقيقة، لا يمثل جوهر أي دين سماوي، أو طائفة أو مذهب، مهما حاول هذا التنظيم، أو ذاك، أن يدّعي ذلك، والغاية من ترويج مصطلح كهذا، وتسويقه وتكريسه هي العمل على استدراج أهل السنَّة، لإيقاعهم في فخ استثمار فائض قوتهم في تفكيك الإسلام من الداخل وتدميره، وهم المكون الأكبر فيه، بتوريطهم في حروب طائفية ومذهبية، تسهم، في النهاية، بتحقيق الهدف الذي يسعى إليه أعداء الإسلام.

avata
avata
طارق عجيب (سورية)
طارق عجيب (سورية)