فخّار راشيّا... أبناء البلدة اللبنانية متمسّكون بتراثهم

فخّار راشيّا... أبناء البلدة اللبنانية متمسّكون بتراثهم

13 مارس 2020
الماء أكثر إنعاشاً في إبريق الفخّار (العربي الجديد)
+ الخط -
عند مدخل بلدة راشيّا الفخّار الواقعة في قضاء حاصبيا في جنوب لبنان، إشارة رسميّة إلى أنّها بلدة سياحية بحسب تصنيف وزارة السياحة اللبنانية، وذلك على خلفيّة مشاغل الفخار الحرفية فيها ومواقعها الأثرية والطبيعية المختلفة. واليوم يسعى أبناء البلدة إلى الحفاظ على هذه الحرفة التي توارثوها أبّاً عن جدّ، حتى تبقى راشيّا الفخّار اسماً على مسمّى، لا سيّما أنّ نساءها ما زلنَ يستخدمنَ أواني الفخّار للطهي فيما جدران المنازل ومداخلها وحتى الأشجار المحيطة بها تُزيَّن بأباريق وجرار وغيرها من المصنوعات الفخّارية.

وأبناء البلدة ما زالوا يلجأون إلى العمل الجاد والحثيث من أجل إبقاء فخّارهم حيّاً. فهو لطالما كان فخرهم على مرّ الزمن، وحتى نهاية سبعينيات القرن الماضي عندما كانت بلدتهم تضمّ عشرات مصانع الفخّار التي تنتج أباريق وجرارا وصحونا وأواني منزلية وغيرها. في ذلك الحين، كانت راشيّا الفخّار مقصد أبناء المنطقة الذين يبحثون عن عمل، سواء في عجن الطين وتحضيره لصناعة الفخّار أو في جمع الحطب اللازم لتشغيل الأفران حيث يوضع الفخّار بعد تشكيله، أو في تلوينه وتزيينه برسوم مميّزة ليصير جاهزاً للاستخدام المنزلي أو للزينة.

يروي خليل الزوقي لـ"العربي الجديد" أنّ "الفاخورة الأولى التي كانت تجمع كلّ صانعي الفخّار في البلدة، بالتعاون مع مؤسّسة الإنعاش الاجتماعي في عام 1967، لكنّها اليوم مهجورة ومهدّمة جزئياً بسبب الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني". يضيف أنّ "راشيّا كانت قبل 30 عاماً قرية صناعية بالمقارنة مع القرى المجاورة وتحتاج إلى يد عاملة. أمّا اليوم، فتبدّلت الحال، ليس لأنّ البرّاد لم يعد يتّسع للجرّة بل لأنّ التهجير لم يبقِ من أهل البلدة البالغ عددهم نحو ألفَي نسمة إلا 200 فيها"، لافتاً كذلك إلى "الإهمال وغياب الدولة في مجال تنمية الريف وتشجيع هذا النوع من الحرف خصوصاً أنّها من التراث اللبناني، بالإضافة إلى سيطرة المصنوعات البلاستيكية والزجاجية".

ويؤكد الزوقي أنّ "صناعة الفخّار فريدة من نوعها، ومن غير المقبول أن تندثر، لذلك على الدولة حماية المنتج المحلي نظراً إلى جودته وحفاظاً على هذه الحرفة التي كانت وسوف تبقى حيّة وكذلك بلدتنا".

أمّا شقيقته سعاد الزوقي التي كانت تعمل في مجال التربية وتدريس اللغة العربية حتى الأمس القريب، فتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "بلدتنا لطالما كانت اسماً على مسمّى، غير أنّ التهجير والحروب تسبّبا في تراجع حرفة الفخّار، تُضاف إلى ذلك المزاحمة الخارجية للفخّار اللبناني عموماً والريشاني (نسبة إلى راشيا) خصوصاً".

وتوضح أنّ "الفخّار الريشاني يتميّز عن غيره من الفخّار بأنّه رقيق وملوّن ويمنح برودة، كذلك فإنّ المواد الطبيعية المستخدمة في صناعته مستخرجة من أرض البلدة، سواء الطين أو الألوان"، مضيفة أنّ "الفخّار كان مصدر الرزق الأساسي هنا، ونحن كنّا نساعد أهلنا في صناعة الفخار وتلوينه في فصل الصيف، إذ إنّ الأمر يتمّ حينها، وهو ما كان يؤمّن لنا مصروفنا للعام الدراسي.

أمّا اليوم فلم يعد مدخول العمل في الفخّار يمثّل مصدر رزق، على الرغم من أنّ كثيرين يبحثون عن أوان فخارية كونها مصنّعة من مواد طبيعية مائة في المائة، بخلاف غيرها من الأواني"، لافتة إلى أنّ "ثمّة دورات تُنظَّم صيفاً لتعليم الأجيال الجديدة على صناعة الفخّار".

من جهته، يقول وسيم خليل الذي تربّى مع أشقائه على حرفة الفخّار إنّه لم ينسَ بلدته وفخّارها على الرغم من أنّه يعيش في لندن، علماً أنّه دائم التردّد على راشيّا الفخّار. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ ذلك "دفعني وعددا من أبناء البلدة إلى إنشاء الجمعية التعاونية الحرفية لإنتاج وتسويق الفخّار في عام 2003"، مع الإشارة إلى أنّه يرأسها.
يسعى للحفاظ على هذه الحرفة (العربي الجديد)


يضيف أنّ "الجمعية هي خطوة أولى على الطريق الصحيح لإبقاء هذه الحرفة حيّة ونقلها إلى الأجيال المقبلة"، مؤكداً أنّها "فنّ وتحتاج إلى مهارة". ويتابع خليل: "ونحن ننظّم دورات تدريبية لتعليم صناعة الفخّار، وقد تم تجهيز التعاونية بآلات حديثة من فرن حراري وعجّانة ودولاب للتصنيع وغيرها، لا سيّما أنّ الأدوات اليدوية تحتاج إلى جهد جسدي كبير"، آملاً أن "تدعم الجهات الرسمية المعنية هذه الحرفة وتحميها من المنافسة الخارجية حفاظاً على ما تبقّى منها".


وفي خلال جولة في مقرّ الجمعية، يستعرض خليل كيفية صناعة الفخّار والأدوات التي كانت تستخدم قديماً وتلك الحديثة، بالإضافة إلى المصنوعات الفخّارية وكيفية استخدام الأواني في الطهي "كونها صحيّة بامتياز". ويلفت خليل إلى أنّ "الطلب على أواني الطهي الفخّارية دليل على أهميّة الفخّار ليس كحرفة إنّما كذلك لما له من أهمية صحية". ويكمل أنّ "ابن راشيّا الفخّار الذي كان يولد فاخورياً، يعبّر عن قلقه اليوم على هذه الحرفة التي لا يُعرف تاريخ لدخولها إلى البلدة".

دلالات