فحص دم جندري

فحص دم جندري

09 يونيو 2019
"حقّ وليس منّة" (رمزي حيدر/ فرانس برس)
+ الخط -

سجلّ نفوس أمّي في بعبدا. هي وُلدت في لبنان لكنّها لم تحصل على الجنسية اللبنانية. عدم حصول أمّي على الجنسية اللبنانية مردّه أن لبنان لا يعترف بمنح الجنسية استناداً إلى رابطة الأرض. جنسيتي الأصيلة هي الأردنية، وقد حصلت عليها من والدي. عشت في لبنان أكثر من 28 عاماً، قبل أن أغادره، وقد حملت جواز سفر لبنانياً في الأعوام الثلاثة الأخيرة منها لأنّني اقترنت برجل لبنانيّ الجنسية. لم أستطع منح ابني الجنسية الأردنية كما لم تمنحني أمّي جنسيتها الفلسطينية.

اليوم أحمل جوازَي سفر؛ لبنانياً وأردنياً. كلاهما حصلت عليه لارتباطي برجلَين يحملانهما. فأنا خلقت في هذا الجانب المتخلّف من العالم حيث النساء ملحقات بالمواطنة والكيان.
قبل حصولي على الجنسية اللبنانية في الأعوام الأخيرة، كنت أعيش في لبنان منذ عام 1991 مستندة إمّا إلى وثيقة إقامة وإمّا إلى تأشيرة دخول أو "طلب استرحام". لا أذكر كم مرّة تركت مقرّ عملي (في الجمعيات النسائية) لأوقّع، لدى الأمن العام اللبناني، تعهداً بعدم العمل قبل أن أعود بعد ساعات لأزاول مهامي في الجمعية. ومهامي تلك، لسخرية القدر، كانت للمطالبة بحقّ منح الجنسية لأسر اللبنانيات المتزوّجات من غير لبنانيين.

الحقّ في اختيار التخصص، وفي العمل، وفي تعويض نهاية الخدمة، وفي الحقوق السياسية والمدنية، وفي الشعور بأنّني مواطنة غير منقوصة الهوية، وفي عدم الشعور الدائم بالقلق من "كبسات" الأمن العام، من أبسط الحقوق التي لم أكن أتمتّع بها. وأنا كنت أشعر باستحقاق كبير للجنسية اللبنانية، لأنني كنت على قناعة بأنني عشت في لبنان لأكثر من عشرين عاماً، وبأنّ الجنسية ليست منّة من أحد ولن أحصل عليها لأنني ملحق بأيّ كان.

الحقّ في الجنسية اللبنانية على أساس رابطة الأرض أمر خيالي، ومع ذلك فإنّ عدم تحقّقه أمر مجحف. أمّا الحصول على الجنسية استناداً إلى رابطة الدم (غير الخاضع لفحص جندري)، فهو حقّ مكتسب واستحقاق كبير. وقد رُفعت عشرات مشاريع القوانين أمام مجلس النواب ومجلس الوزراء للنظر في هذا الحقّ، وصدرت عشرات المطالعات والفتاوى القانونية، واجتمعت كلها عند شمّاعة التوطين.




كم أخشى الاعتراف بأنّني فقدت الأمل، كلّ الأمل بالتغيير في لبنان وبتعديل قانون الجنسية، حين لمست كم هو مشوّه مفهوم المواطنة في ذلك البلد التعيس. في لبنان، ثمّة مقاييس طائفية وذكورية وعنصرية للوصول إلى جملة الحقوق والمستحقات. وفي ما يخصّ حقّ المرأة في منح جنسيتها لأسرتها، نجد أنّ تلك المقاييس كلها تجتمع في "جبّ واحد". الحصول على الجنسية اللبنانية حقّ وليس منّة... قوموا بواجبكم ولا تمنّنونا.

*ناشطة نسويّة

دلالات

المساهمون