فجر يعقوب يتبع خطى "وحدن"

فجر يعقوب يتبع خطى "وحدن"

30 سبتمبر 2014
الشاعر طلال حيدر في لقطة من الشريط
+ الخط -

يبدأ شريط "وحدن" (وثائقي، 48 دقيقة) للمخرج الفلسطيني فجر يعقوب بلقطات مأخوذة من فيلم "مائة وجه ليوم واحد" للمخرج اللبناني كريستيان غازي، وهو العمل الوحيد الذي نجا من أرشيف المخرج المكوّن من 46 شريطاً التهمتها النيران على دفعتين، في الستينات ثم في الثمانينات.

يوثّق "وحدن" لثلاث تجارب سينمائية لبنانية تأسيسية كان لها تأثيرها في زمن اختلفت السينما ومضامينها وأشكالها ووسائطها عمّا هي عليه اليوم في لبنان وباقي البلاد العربية، لاختلاف قضايا وهموم هذه المجتمعات على الأقل.

أولى هذه التجارب هي لكريستيان غازي، الذي غادرنا العام الماضي أثناء تصوير مقابلات الفيلم. يتخذ الفيلم التسجيلي القصير عنوانه من قصيدة لطلال حيدر غنّتها فيروز "وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان". وكان لحيدر حضور فيه ضمن إلقاء متكرّر للقصيدة في مبنى أثري ومهجور إلا من أوراق الخريف، كتصوير مجازي لما يُروى في الفيلم عن أزمنة ولّت، وإضافة شعرية للغاية التوثيقية التي تناول بها الفيلم التجارب السينمائية الثلاثة.

فيلم "لأن الجذور لا تموت" لنبيهة لطفي، وهي التجربة الثانية التي يطرحها "وحدن"، لم يتقصّد تناول مخيم تل الزعتر بل المرأة العاملة الفلسطينية، كما تقول مخرجته، وكان المخيم مركزياً يجمع الفقراء من الفلسطينيين واللبنانيين، وهو الفيلم اللبناني الوحيد للطفي، حول موضوع فلسطيني، تماماً كالفيلم الوحيد الناجي لكريستيان غازي، والذي يحكي عن المقاومة الفلسطينية، كالعديد من أفلام غازي التي أُحرقت. فيلم لطفي يُعاد ترميمه الآن في باريس. نحكي هنا عن أفلام أُنتجت في بدايات النصف الثاني من القرن الماضي، أي مزامنة للثورة الفلسطينية ووجودها في لبنان إلى جانب الحركة الوطنية اللبنانية.

التجربة الثالثة هي لجورج نصر، الذي انتقل مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 إلى الأفلام الدعائية لقلّة الإنتاج في تلك الفترة. وبعدما تغيّرت معايير واهتمامات جهات الإنتاج، وما عاد يجد منتجاً، اكتفى بكتابة خمسة سيناريوهات تنتظر من يحوّلها إلى أفلام.

وكان نصر قد أوصل السينما اللبنانية إلى مهرجان "كان" عام 1956 بعمله "إلى أين". وفي الفيلم، يقول إنه تم رفض مشروعين له في هوليوود بسبب القضية الفلسطينية، وإن منتجة أميركية هناك قالت له، بعدما عرض عليها مشروع فيلم عن الفلسطينيين وقضيتهم، بأن يجعلهم مجرمين.

يستند "وحدن" على حوارات مع المخرجين الثلاثة وعلى لقطات من أفلامهم المذكورة، تتداخل جميعها ضمن سياق واحد هو المقاومة الفلسطينية في لبنان. وحتى قصيدة طلال حيدر تحكي عن مجموعة فدائيين "تسلّلت" إلى الحدود مع فلسطين المحتلة ولم ترجع.

يقول كريستيان غازي أن مموّلي أفلامه كانوا يتعاملون معه كأرباب عمل، وأعطى مثالاً على نايف حواتمة، الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الذي أعطاه 500 جنيه استرليني قائلاً بأنها كافية للإنتاج. يضحك غازي وهو يروي ذلك، ثم يقول في مكانٍ آخر من الفيلم إن السينما اللبنانية لم تفهم عليه أبداً، وإنه سيموت هكذا، من دون أن يحظى بفهم من مواطنيه، متسائلاً عما يستطيع أن يفعله حيال ذلك.

مشاركات المخرجين الثلاثة تتعاقب وتتكامل، في دورانها حول موضوع الفيلم، من دون ربط زمني بينها. وفي ذلك، تقترب من الارتجال لكنها تتطرق بعمق إلى الأفلام المذكورة؛ فلا تتابع زمني بين ما يرويه أحدهم، وما يرويه الآخر، بل موضوعاتي، كأنها جلسة تجمع الثلاثة، يحكي كل منهم فيها ما يتذكّره حول زمن فيلمه. باختصار، يقدّم الفيلم أسماء أسست لسينما لبنانية لها طابعها الخاص، فلسطينية من حيث الموضوع. توقّفت هذه الأسماء عن صناعة أفلامها منذ زمن بعيد، ولكل حالةٍ أسبابها، لكنها أسباب لا تزال حاضرة بيننا بشكل أو بآخر.

المساهمون