فتيات "التيك توك"... انتقائية تطبيق القانون في مصر

تيك توك
30 يوليو 2020
+ الخط -

يشكك الخبير المصري في وسائل التواصل الاجتماعي واستشاري الاتصالات سفيان أحمد في دقة الاتهامات الموجهة إلى ما بات يُعرف في مصر بـ "فتيات تطبيق تيك توك" الموقوفات قضائياً، بعد توجيه النيابة العامة لهن تهم "خدش الحياء والاعتداء على قيم ومبادئ المجتمع المصري، واستدراج الفتيات واستغلالهن عبر البث المباشر، وارتكاب جريمة الاتجار بالبشر"، كونهن يافعات يتطلعن إلى جمع أكبر عدد من المتابعين، وفي سبيل ذلك يحاولن فعل أي شي كما يقول، لـ"العربي الجديد" موضحاً أن زيادة عدد المتابعين ترفع نقرات "اللايك" الإعجاب، وذلك يؤدي بطبيعة الحال إلى حصول صاحبة الحساب على صفقات إعلانية وبالتالي توفير مصدر ربح سريع وسهل لهؤلاء.

وتفجرت القضية بعدما نشرت حنين حسام (19 عاماً) فيديو عبر تطبيق تيك توك، وهي شبكة اجتماعية صينية لمقاطع الفيديو الموسيقية، تعلن فيه عن حاجتها إلى فتيات عمرهن بين 18 و19 عاماً، للعمل ضمن ما أسمته وكالتها، ودعت الراغبات لإنشاء حساب على منصة تيك توك وفتح كاميرا الموبايل من أجل ضمان انتشار الفيديوهات الراقصة، واعدة إياهن بمبالغ تصل حتى 3000 دولار، بحسب عدد نقرات الإعجاب "اللايكات" التي ستحصل عليها الفيديوهات الراقصة.

وبلغ عدد الموقوفات على ذمة تلك القضايا 10 فتيات، أحدثهن هدير الهادي التي جدد القضاء حبسها بتهمة "التحريض على الفسق والفجور" ونشر "فيديوهات فاضحة تخدش الحياء" و"مخالفات قيم وعادات المجتمع" و"ممارسة أعمال منافية للآداب" لمدة 15 يوماً،كما أصدرت المحكمة الاقتصادية بالقاهرة حكما أوليا في 27 يوليو الماضي على خمس فتيات تمت إدانتهن بـ"التعدي على القيم والمبادئ الأسرية" من بينهن حنين حسام ومودة الأدهم اللتان تم الحكم عليهما بالحبس عامين، وغرامة 300 ألف جنيه (نحو 19 ألف دولار)، كما تم توجيه التهم ذاتها لكل من ريناد عماد ومنار سامي ودينا مراجيح وإصدار حكم بالسجن لمدة عامين بحقهن. ويعد هذا الحكم أولياً قابلاً للاستئناف أمام محكمة أخرى.

وتستند نيابة الشؤون المالية والتجارية في قرارها بإحالة حنين حسام ومودة الأدهم مع ثلاث آخرين إلى المحاكمة الجنائية الصادر في يونيو/حزيران الماضي، إلى القانون رقم 175 لسنة 2018 الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وتحديداً الفصل الثالث الخاص بالجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع، والذي ينص في المادة 25 منه على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة..."، وهو ما دعا حقوقيين ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إطلاق حملة لمطالبة السلطات المصرية بإطلاق سراح المتهمات، باعتبار أن ما قمن به من قبيل حرية الرأي والتعبير عبر الإنترنت، كما نشر حقوقيون عريضة ترفض "حملات القبض والتشهير بسيدات التيك توك"، وطالبوا المجلس القومي للمرأة، (يتبع مجلس الوزراء المصري)، بتوفير الدعم القانوني لهن.

الاتهامات الموجهة للفتيات، يراها الخبير في أمن المعلومات والإنترنت ورئيس الجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات المهندس طلعت عمر، "شيطنة إعلامية" لمنابر التواصل الاجتماعي وتقديمها على أنها "مصيبة"، موضحاً أن الإعلام يتجاوز عن فوائد وإيجابيات كثيرة، رغم أن "السلوكيات التي يرفضها البعض على تيك توك، أو ما يسمى الاستغلال السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي وحتى النصب الإلكتروني"، هي في الحقيقة سلوكيات فردية، لها علاقة بالتربية والقيم السائدة في المجتمع.

البحث عن المردود المالي

تواصل  معد التحقيق مع إحدى الفتيات الشهيرات على تطبيق "تيك توك" في مصر، والتي اشترطت عدم الكشف عن هويتها للموافقة على الحديث بصراحة كما تقول موضحة إن تطبيقات مثل "تيك توك" و"إنستغرام" تعد مجالاً واسعاً جداً ومفتوحاً للعمل حالياً، ويمكن أن تجد فيه "نماذج سيئة" تستغله لأغراض "غير شريفة" وهناك أيضاً كثيرون يحققون النجاح بطرق شريفة.

عندما يحظى حساب ما بمتابعة مرتفعة يزداد ظهور الإعلانات التي يمكن أن تكون ترويجاً لمنتج معين أثناء عرض الفيديو، أو زيارة أحد المتاجر وعمل فيديو ترويجي

وأوضحت أن "المشكلة ليست ما هو ظاهر على تيك توك ومن عمل مقاطع مصورة عبره، لكن المشكلة في استغلال البعض لهذه التطبيقات والشهرة التي حققنها عبرها مثل تيك توك من أجل الحصول على دخل مادي عبر تطبيقات أخرى مثل "لايكي" و"بينغو" و"تندر"، وهي تطبيقات أساساً للمواعدة، ويمكن استغلالها في أعمال منافية للآداب". وأضافت أعرف حالات لفتيات تم استقطابهن إلى تلك التطبيقات عبر "بلوغرز" شهيرات على "تيك توك" ودفعن إلى إجراء محادثات "خادشة للحياء" في مقابل المال، وهو ما حذر منه الدكتور هاشم بحري رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر والذي يرى في "نموذج التعامل الحالي مع تلك التطبيقات باعتبارها مصدرا للدخل السريع عبر مقاطع غير مألوفة مجتمعياً، نتاجاً لغياب التوعية الثقافية والاجتماعية، وسيذهب بالمجتمع نحو الأسوأ".

لا رقابة على محتوى "تيك توك"

يتيح "تيك توك"تقديم أي محتوى دون التدقيق فيه، على العكس من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى مثل فيسبوك وإنستغرام التي تمارس نوعاً من الرقابة على المنشورات، وتقوم في أحيان كثيرة بحذف المحتوى إذا اشتكى منه مستخدمون آخرون، وهذا ما جعل من "تيك توك" مساحة أكثر استقطاباً للفتيات والفتيان الصغار، الذين يمثلون الجمهور الأكبر لهذا التطبيق، ومحتواه الخفيف والمختلف عن المألوف اجتماعياً، كما أنه يتيح التواصل مع أشخاص لا يعرفهم المستخدم من خلال ملايين المقاطع المصورة التي يظهرها لكل مستخدم بناء على خوارزميات خاصة به، تتبع ذوق المستخدمين وتفهمه تدريجياً وتستطيع بعد ذلك أن توفر له المحتوى الذي يجذبه ويتفاعل معه. كما يوضح خبير الاتصال والسوشال ميديا سفيان أحمد.

وعندما يحظى حساب ما بمتابعة مرتفعة يزداد ظهور الإعلانات التي يمكن أن تكون ترويجاً لمنتج معين أثناء عرض الفيديو، أو زيارة أحد المتاجر وعمل فيديو ترويجي، وغير ذلك، ولا تقتصر ظاهرة الحصول على عائد عبر المحتوى على الفتيات، إذ أن عمرو راضي وغزلان، وهما صانعا محتوى شهيران أصبحا يحققان مشاهدات كبيرة ومن ثم عائداً مالياً من خلال الفيديوهات التي يصنعانها كما يقول أحمد.

وأوضح خبير "السوشال ميديا" أن "يوتيوب" هو الموقع الوحيد الذي يدفع أموالاً مقابل المشاهدات، لكن الأمر يختلف بالنسبة "لإنستغرام" و"تيك توك"، إذ أن الموقعين مع ازدياد عدد المتابعين وتحقيق الشهرة الكافية يقومان بتوثيق الحسابات، ومقابل ذلك تقبل الشركات على هؤلاء المشاهير لتعلن من خلالهم عن منتجاتها، مضيفاً أن كل شخص مشهور على السوشيال ميديا له سعر حسب عدد المتابعين،كما أن كل شركة تختلف طلباتها في الإعلان عن الأخرى، لافتاً إلى أن أسعار الإعلانات تبدأ من خمسة آلاف جنيه (الدولار يساوي 15.93 جنيهاً) وتصل إلى مئة ألف جنيه، ومن الممكن أن يتقاضوا بدلاً من الأموال منتجات لتلك الشركات، مضيفاً أن نجوم السوشيال ميديا مثل عمرو راضي وعلي غزلان ومحمد فرج ومودة الأدهم حققوا نجاحاً كبيراً على مواقع التواصل أتاح لهم مدخولاً مادياً كبيراً.

ولا تقتصر الظاهرة على مصر، بحسب خبيرة السوشال ميديا والكاتبة هبة دنش، التي تقول لـ"العربي الجديد" الأمر موجود في دول عربية أخرى منها لبنان، لكن الفارق بين الدولتين أن السلطات اللبنانية لم تلاحق هؤلاء الفتيات، رغم وجود صفحات تبث القائمات عليها بشكل يومي محتوى أكثر جرأة مما في مصر، معتبرة أن الأمر يدخل في نطاق "الحرية الشخصية"، وأشارت إلى أن فتيات لبنانيات شهيرات على "تيك توك"، وغيره من التطبيقات يتابعهن ملايين، مثل زينب حمود ونور عريضة ذات المليون متابع، ولانا الساحلي وآية الحاج علي، وكارين وازن التي تصنع فيديوهات هي وأولادها وزوجها، هدفهن تحقيق مدخول مالي عبر الإعلانات والترويج لماركات معينة بعد تحقيق الشهرة والوصول للجمهور.

تطبيقات مثل تيك توك تجمع عن مستخدميها معلومات هامة لتحللها، ليس فقط الاسم والتليفون والبريد الإلكتروني والموقع والصور، بل تستطيع تسجيل الصوت والصورة دون علم المستخدم

تطبيقات غير آمنة

يقول المهندس عادل عبد المنعم رئيس أمن المعلومات بغرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات باتحاد الصناعات المصري  أن تطبيقات مثل تيك توك تجمع عن مستخدميها ملايين المعلومات، ليس فقط الاسم والتليفون والبريد الإلكتروني والموقع والصور، بل تستطيع تسجيل الصوت والصورة دون علم المستخدم، وتقوم بتحليل هذه المعلومات". محذراً من إلغاء أو حظر تطبيق "تيك توك" على غرار ما فعلته الهند، قائلاً إنه "ليس حلًا وأمر غير مستحب لأنه سيظهر غيره كما يمكن محاولة تخطي الحظر".

ويعتبر رئيس الجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات أن المشكلة الحقيقية ليست في التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي كما تصورها وسائل الإعلام المصرية، بل في استخدامها، مشيرا إلى الدور الهام الذي لعبته التطبيقات التكنولوجية إبان أزمة انتشار فيروس كورونا، وتحديداً في نشر التوعية الصحية، وتوظيفها في التعليم والعلاج عن بعد.

ويتفق كل من الدكتور بحري وعمر في أن الأسرة هي المسؤولة بشكل أساسي عن حماية الطفل وزيادة وعيه بمتابعتها المستمرة للمضامين التي يتعرض لها، سواء عبر الـ"آيباد" أو الهاتف المحمول أو الكمبيوتر الشخصي، ووضع الضوابط لاستخدامها، ويضيف بحري أنه بعد انتشار التطبيقات الجديدة ذات المحتويات التي يراها البعض مخالفة للعادات والتقاليد يمكن للأسرة التحكم في الأمر خاصة بعد أن أطلقت منصة الفيديو "تيك توك" وضع Family Safety الجديد، الذي يتيح للآباء إمكانية تقييد استخدام أطفالهم للتطبيق، وتتيح ميزة الأمان العائلي إمكانية تحديد مدة قصوى للاستخدام اليومي للطفل تبلغ 40 أو 60 أو 90 أو 120 دقيقة، وفي حال تخطي المدة القصوى المحددة، فلن يتمكن الأطفال من استخدام التطبيق إلا إذا قام الآباء بإدخال كلمة مرور، وبالإضافة إلى ذلك يمكن للآباء تحديد عدم إمكانية إرسال رسائل خاصة للطفل إلا من قبل الأصدقاء فقط أو يمكنهم إيقاف الرسائل الخاصة تماماً، لحمايتهم من الاتصال بهم من قبل الغرباء، كما يوجد أيضا وضع مقيد يتم فيه حجب مقاطع الفيديو غير المناسبة لعمر الطفل.

ويتوجب على الآباء، الذين يرغبون في تقييد استخدام أطفالهم للتطبيقات، تثبيتها على هواتفهم الذكية، وإعادة ضبط إعدادات حماية البيانات في "تيك توك"، وهذا يشمل ضبط البروفايل على الوضع الخاص بحيث لا تكون المنشورات مرئية إلا للأصدقاء فقط. كما يوضح عمر لـ"العربي الجديد".