فايس نيوز: لعبة التنظيمات المتشددة

فايس نيوز: لعبة التنظيمات المتشددة

07 يناير 2016
تنظيمات ضد الثورة السورية (مواقع التواصل)
+ الخط -
يعود الصحافي الفلسطيني، مدين ديرية، إلى واجهة الأعمال الوثائقية، التي تصور حياة المقاتلين في التنظيمات المتشددة، من خلال تصويره شريط "داخل المعركة، النصرة، تنظيم القاعدة في سوريا"، الذي بثته شبكة "فايس نيوز" الإخبارية، مع بداية الثلث الثاني من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر لعام 2015.


يفتتح الفيلم أولى مشاهده، في لقطة لمجموعة من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات، وهم يرددون بصوت واحد "سبيلنا سبيلنا.. الجهاد الجهاد". هؤلاء الأطفال أنفسهم سيكونون المحور الأساسي لمادة، ديرية، في الفيلم، فهو يصور معهم مشوارهم منذ ذهابهم إلى درس الفقه، في "أكاديمية أشبال التوحيد للعلوم الشرعية" في حلب، ومن ثم درس الرياضة، وأخيراً رحلتهم إلى مدينة الملاهي، وحديقة الحيوانات، في مدينة إدلب شمال سورية.

الشريط المصور بين مدينتي حلب وإدلب، يقدم مجموعة من المشاهد للعناصر والقياديين في النصرة وهم يحاصرون مطار "أبو ظهور العسكري"، ومن ثم مرحلة اقتحامه، بعد أن ساعدت إحدى العواصف الترابية النصرة في السيطرة عليه، وهو ما يبدو واضحاً من خلال حصولهم على المقاتلات الحربية، والحوامات العسكرية، التي لم يستطع النظام سحبها من داخل المطار.

يختار "ديرية" بعناية فائقة – كما باقي أعماله - المشاهد التي يقدمها عن "النصرة"، ما يعيدنا لفيلمه السابق عن تنظيم "داعش"، بعد إعلانه قيام "دولة الخلافة الإسلامية"، وتصويره مع عناصر وقياديين في التنظيم. ولعل الإشكالية الأهم التي ظهرت بعد عرض فيلم تنظيم الدولة، كانت في إمكانية التصوير داخل مقرات "الخلافة"، وسماحهم له بالدخول إلى عاصمتهم، ففي النهاية القيادي "جون الإنجليزي"، الذي قتل في إحدى غارات التحالف الدولي، كان هو المسؤول المباشر عن قتل جميع الصحافيين الغربيين الذين خطفهم "داعش".

ويبدو لافتاً للمشاهد أن "ديرية"، لم يختلف كثيراً في انتقائه للمواضيع التي يحاول إظهارها في كلا الشريطين على الرغم من الخلافات بين التنظيمين، وهو ما فتئ الشرعي السابق لـ "جبهة النصرة"، "أبو ماريا القحطاني" في التحدث عنه، وكان من ضمنه نشره لرد زعيم تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري"، على "أبو بكر البغدادي"، على مواقع التواصل الاجتماعية، والتي تضمنت أسباب الخلاف.

صحيح أن فيلم النصرة، اعتمد على الأطفال كموضوع رئيسي للفيلم، على عكس فيلم "الدولة الإسلامية"، الذي كانت بدايته في مشهد للعرض العسكري الذي قدمه عناصر الدولة في مدينة الرقة، وهو ما يثبته السيناريو العام للفيلم، حتى العناصر الذين تحدثوا في الفيلمين، لم يختلفوا كثيراً في طرح الأفكار، فالتنظيمان يتفقان في نصوصهما الشرعية، على إعداد الأطفال "جهادياً"، قبل بلوغهم سن الخامسة عشرة، وهي السن التي تجيز لهم حمل السلاح وفق فكرهما، وهو ما يبدو جلياً في كلا الفيلمين، وتأكيدهما على أن "هؤلاء الأطفال هم من سيخرجون الأمة الإسلامية من عصر الذل"، على حد قول أحد قيادي النصرة ممن تحدثوا في الفيلم.

ومثلما وجه عناصر تنظيم الدولة، رسائلهم لجنود النظام السوري، والدول الغربية، وجه عناصر النصرة ذات الرسالة، إلا أن الاختلاف بين التنظيمين في توجيه الرسائل، كان من خلال تجنب عناصر النصرة توجيه رسالة استهداف الدول الغربية خارج سورية، وهو ما أكده "أبو محمد الجولاني" أمير الجبهة في حواره الأخير على شاشة الجزيرة، بينما نجد أن عناصر الدولة أكدوا في شريطهم على أنهم سيستهدفون "الكفار" أينما وجدوا، ما يحيلنا إلى رسالة الظواهري، التي ذكر فيها أن أحد أسباب الخلاف كان في استهدافهم للشيعة المدنيين في العراق.

ومثلما قام "ديرية" في التصوير مع عدد من المعتقلين في سجون الدولة، صور مع اثنين من الأسرى الموجودين لدى النصرة، واللافت في الأمر أن الدولة تجنبت منح "ديرية" فرصة التصوير مع عناصر النظام السوري، أو الجيش الحر، ما جعل التصوير يقتصر على عددٍ من المدنيين "المخالفين" لشرع الله، حسب ما قالوا في الشريط، عطفاً على ظهورهم راضين عن أحكام الجلد، التي ستكفر عنهم سيئاتهم، وتعيدهم إلى أصول الدين الأولى، بينما نجد أن النصرة سمحت بالتصوير مع جنديين مصابين تم أسرهم في أحد معارك مطار "أبو ظهور العسكري"، كما يظهر في الشريط قياديّين من التنظيم يهددان العنصريين بعد إعطائهما معلومات خطأ، وأنه في النهاية رغم تحريم الإسلام تعذيب الأسرى، إلا أن ذلك لا يمنع من تعذبيهم لإجبارهم على الاعتراف. في مشاهد لاحقة يذكر "ديرية" عملية الإعدام الجماعية التي نفذتها النصرة في عناصر المطار العسكري، منوهاً إلى أن العنصريين الأسيرين تم إعدامهما أيضاً، مع عدم تأكيد المعلومة أو نفيها.

في نهاية شريط النصرة، يتحدث طفلان شقيقان عما سيصبحان في المستقبل، الأكبر يريد أن يقتدي بنهج "أسامة بن لادن"، يمكننا أن نعرف مدى صدقه من خلال طريقة حديثه عن والده المحاصر منذ عامين في القلمون، فيما يتمنى الأصغر، وبضحكة خجولة، هو في معظم المشاهد كان خجولاً ومبتسماً، أن يصبح انغماسياً.

في حين نشهد في شريط الدولة، إزالة الأسلاك الشائكة التي تفصل بين سورية والعراق، وانتهاء اتفاقية "سايكس – بيكو"، وقول أحد عناصر التنظيم: "أنا من بلاد الشام بلغت من العمر أكثر من ثمانية وعشرين سنة، هذه أول مرة أدخل العراق من دون جواز سفر"، ليظهر لاحقاً مجموعة من العناصر تقوم بإحراق جوازات سفرها.

أما بالنسبة لأوجه الخلاف بين الشريطين، نجد أن "ديرية" في شريط "الدولة الإسلامية"، قام بالتصوير مع رجال الحسبة، والمحكمة الشرعية، ومع العامة من الناس، وطريقة معاملة عناصر الدولة لسكان المدينة، ومبايعة أحد الخطباء والمصلين للبغدادي في أحد المساجد، والمكتب الدعوي في قاطع الرقة، وهو ما لم نجده في شريط النصرة، التي تسيطر على مجموعة من القرى في شمال سورية، ومدينة إدلب، ما يظهر عمق الرسالة التي أراد إيصالها قياديو "الدولة الإسلامية"، للعالم الغربي، ففي النهاية حتى اللحظة لم يتوقف مؤيدي "الدولة الإسلامية" عن الانضمام إليها، رغم الهجمات المكثفة التي يشنها التحالف الدولي على معاقلها.
فيما يؤخذ على "ديرية" في الشريطين، عدم تطرقه للخلاف بين "جبهة النصرة" و"داعش"، ومن ثم الأسباب التي دفعت الأخير إلى قتال فصائل الجيش الحر، وتصفية قادتهم، ومثلها النصرة التي نفذت أكثر من هجوم على فصائل ثورية محددة، وكان آخرها الهجوم الذي شنته على كتيبة "شهداء البياضة" في ريف حمص، ما يجعلنا نفكر قليلاً في جدوى هذه الأعمال الوثائقية، ففي النهاية كلا الفيلمين مصوران في سورية، وهو ما يجعل المشاهد، أي مشاهد لا على التعيين، يظن أن سورية أرض الجهاد، ويتجاهل أن هناك ثورة انطلقت ضد أعتى الأنظمة الديكتاتورية في العالم.

(سورية)

المساهمون