فارس أحلام الغزيات

فارس أحلام الغزيات

27 اغسطس 2014

حفل زفاف جماعي نظمته حركة حماس لـ240 مقاوم (5أغسطس/2010/أ.ف.ب)

+ الخط -


وداد عصفورة.. اسمٌ سيذكره التاريخ كثيراً وجيداً، وربما سيدرس في الكتب، وستقرأه زهرات فلسطين في الإذاعة المدرسية، وتتباهى أم ستصبح جدة بأنها حملت اسم وداد، لأنها ولدت في اليوم نفسه الذي ارتقت به وداد عصفورة شهيدة.

كانت وداد فتاة عادية، لكن اسمها سيخلد حتماً، لأنها وافقت، في بداية حياتها، على أن ترتبط بقائد من قادة المقاومة الفلسطينية، ارتقى شهيدا، ثم تتزوج بقائد آخر، حيّر الصديق قبل العدو، وتغنى ببطولته القاصي والداني، وقبلت أن تعيش حياةً قاسيةً غير عادية، مليئة بالمغامرة والترحال والتهديد، فقد أصبحت زوجة للرجل الموضوع على رأس قائمة المطلوبين لإسرائيل، هو القائد محمد الضيف، وأنجبت ابنتين وولداً.

بالتأكيد، على الرغم مما عاشته من حياة زوجية غير طبيعية، إلا أن وداد عصفورة كانت سعيدة بقرارها وخيارها، فهي زوجة لرجل حقق كفاءته في الميدان، ولذلك، هو قادر في نظرها، وحسبما يرى علم الاجتماع، أيضاً، على منحها ما تحلم به من حب وحنان، حتى لو لساعات، تقضيها معه، وقد كان ذلك، حيث أمضى معها ساعات عمرها الأخيرة، يداعب طفله الرضيع على سبعة شهور، قبل أن يغادرها ليتابع أخطر معركة تدور على الأرض بين قوة عاتية متغطرسة وإيمان لا يتقهقر.

فتيات غزة وعين الدرس جيداً وأصبح القادة والمقاومون فرسان الأحلام، فلا عجب أن ترى صورة متخيلة للقائد (أبو عبيدة) على جدار غرفة نوم مراهقة، أو تزين بها واجهة هاتفها النقال، وقد اعترفت أكثر من فتاة غزية بأنها كانت ساذجة، حين علقت صورة الفنان الغزي، محمد عساف، والذي شغف العالم بصوته، لأن البطل الخارق الموجود تحت الأرض في غزة هو الصورة الحقيقية لفارس أحلامها حالياً، وفي السنوات المقبلة وهي صورة لن تتغير ولن تتزعزع.

في سنوات انتفاضة الحجارة، أجريت إحصائية لدورية محلية عن عدد الزيجات التي تمت في العام الأول من الانتفاضة بين شباب المقاومة آنذاك وفتيات غزيات، حيث كان يتم استقدام المأذون الشرعي تحت جنح الظلام، ليعقد قرآن عشرات الفتيات اللواتي قبلن الزواج بشبابٍ يحملون أرواحهم على أكفهم، وسرعان ما تكورت بطونهن، وأنجبن أطفالاً فتحوا أعينهم على الحياة غالباً، ولم يروا الأب ولكن المجتمع أكرمهم، واعترف بهم بعد ذهول، وأصبحوا موضع رعايةٍ واحتفاء أينما حلوا، وأقسمت إحدى الفتيات التي أصبحت أرملة أنها عاشت أجمل أيام حياتها مع مثل هذا الزوج الذي كان يزورها لماما، ولم تنعم بالحياة الزوجية إلا أياماً،  حيث استشهد بعد زواجهما بأحد عشر يوماً، لكنها بقيت وفية له حتى الآن، وأصبح ابنه شاباً، يحمل اسم أبيه البطل الذي لم يره.

في العام 1967، سارع الآباء لتزويج بناتهن لأي رجل يتقدم لهن، لأن الجندي الإسرائيلي كان بالنسبة لأهل غزة البسطاء الذين لجأ معظمهم إليها بعد النكبة هو الوحش، أو الغول، وكان الخوف على شرف البنت الهاجس الأول الذي يسبق الخوف من الموت، ولذلك، تمت، في تلك الحقبة، زيجات كثيرة، تعتبر غير متوافقة واستمرت ونجحت، على الرغم مما علاها من استكبار، من ناحية الزوجات اللواتي نعين حظهن بأنهن تزوجن في تلك الحقبة.

الآن، ومع تغير الزمن لم يعد شيء يفرض على الفتاة الغزية التي تحلم أمام والديها، ببطل أو مقاوم، وقد حلمت خفية في سنوات مراهقتي بشاب مقاوم، يمت لي بصلة قرابةٍ، اختبأ أياماً في بيت عائلتي، وتخيلت نفسي زبيدة ثروت في فيلم "في بيتنا رجل"، ولكن الأيام غيرت أحداث الفيلم، فلم يستشهد الشاب وأصبح أستاذاً جامعياً الآن، وكلما قابلته، أحنى رأسي خجلاً من حلمي الذي لم يتحقق، وأتذكر أني ارتبطت بنموذج آخر للرجال، تزخر به الأفلام العربية، وهو الذي يعود من عمله متأبطا البطيخة والجريدة.

يا فتيات غزة المترددات، إياكن أن تكررن هذا الخطأ، وابحثن عن سعادةٍ لا تدوم، ولا تجرين خلف راتب وشقة وأثاث وحياة قاحلة كالصحراء.

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.