فاتتني تدوينة!

فاتتني تدوينة!

05 مايو 2020
+ الخط -
شكل ظهور شبكة الإنترنت خلال العقد الأخير من القرن العشرين ثورة اتصال وإعلام لم يكن يتخيلها الماضون من أسلافنا يوما، فقد أتاحت المواقع والصفحات المتنوعة على الشبكة العنكبوتية لمتصفحيها فرصة الحصول على كم لانهائي من المعلومات والأخبار المتجددة على مدار الساعة.

ولم يكد يمر وقت طويل حتى أصبح بإمكان الأفراد أن يخلقوا لهم مواقع خاصة على الشبكة ويعرضوا من خلالها محتوياتهم المختلفة. وقد أتاحت تلك المواقع والمدونات لمتصفحيها إمكانيات التعليق والإضافة إلى ما ينشر من مضامين، لتنشط حركة تلقي الأخبار والمعلومات والتداول فيها، هذا قبل أن تتطور الأمور أكثر مع إنشاء غرف للدردشة ومنتديات خاصة تضم أفراداً يتقاسمون الميول والاهتمامات نفسها.

لكن كل إمكانيات الاتصال والتواصل هذه لم تعد ذات شأن أمام ما ستعرفه البشرية من تطور انطلاقاً من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهو تطور لم تكن لتتنبأ به حتى روايات الخيال العلمي الأكثر استشرافاً للمستقبل.


وعرف النصف الثاني من هذا العقد ظهور عدد من التطبيقات الإلكترونية التي تتيح لمحمليها إمكانية ربط الاتصال في ما بينهم وتبادل المواد المكتوبة والمسموعة والمرئية. ولم يكن أمام الراغب في الاستفادة من خدماتها أكثر من إنشاء حساب شخصي على التطبيق ليستطيع بعدها أن ينشر أو يدون ما يرغب به.

وقد كان لاختراع الأجهزة الذكية أكبر الأثر في تطور تلك التطبيقات والبرامج التي أصبحت تشتهر بين الناس في ما بعد بـ"مواقع التواصل الاجتماعي". وتدريجياً اكتسحت هذه الأجهزة الأسواق وخصوصاً الهواتف الذكية منها، حتى لنكاد نكون أمام شعار: هاتف ذكي لكل مواطن.

وكان طبيعياً أن يوجه المستفيدون من خدمات هذه الأجهزة أولوياتهم نحو إشباع فضولهم البشري في معرفة ما يدور هنا وهناك، لدرجة أهمل معها الكثيرون بعض واجباتهم وأعمالهم الأساسية، وتخلى آخرون عن كثير من الأنشطة الترفيهية التي دأبوا على ممارستها.

وشيئاً فشيئاً تضاعف الزمن المخصص من قبل الأفراد لتصفح مواقع الاتصال والتواصل على هواتفهم، خصوصاً بعدما استعيض بها عن الإذاعة المسموعة والمرئية كما الصحافة المكتوبة لمتابعة الأخبار والترفيه. وبلمسة من أصبعنا أصبحنا قادرين على متابعة ما ينشر من تدوينات على مختلف صفحات الأفراد والمؤسسات الإعلامية "الصديقة".

ولأن الشهية إلى الطعام تزداد مع الانكباب على الأكل كما يقال، زاد الفضول إلى معرفة الأخبار - كل الأخبار - وأصبحنا لا نكاد نستغني عن هواتفنا طوال الوقت، سواء داخل البيوت أو خارجها. وحتى وإن اضطر أحدنا إلى الابتعاد عنها لمدة، تراه يستعجل العودة إليها بكل سرعة وشوق لمعرفة ما دون وكتب في غيابه.

وقد يحصل أن يحس بالقلق والضيق إذا ولج أحد مواقع التواصل ووجد أصدقاءه يخوضون في حديث أو خبر أثير في تدوينة أثناء غيابه. فتراه يستفسر ويسأل أو يعود ليراجع ما فاته من شريط الأحداث، متحسراً على ذلك الغياب لأنه لم يستطع الوصول إلى المعلومة في حينها، صارخاً بحنق: لقد فاتتني تدوينة.

آه نسيت أن أقول لكم إنني قد أضعت الكثير من التدوينات وأنا أحرر هذه السطور، ولسان حالي الآن يقول: لقد فاتتني تدوينات.