غيمة ولا تنقشع

غيمة ولا تنقشع

29 يونيو 2016
لم تكن تعلم إن كان عليها تنفّس الصعداء (Getty)
+ الخط -
تتنفّس المرأة الصعداء. ابنها أنهى للتوّ علاجه، وهو بحسب الأطباء والمتابعين المتخصّصين "على الطريق السليم". ما حصل ليس سوى "غيمة وانقشعت".

"غيمة وانقشعت". تلوح لها سماء زرقاء صافية، لا تتخلّلها سوى سحابة متوسّطة الحجم إلى صغيرة، رماديّة اللون.. ليس إلى حدّ القتامة. هذا ما توحيه "غيمة وانقشعت". لماذا تكون غير ذلك، وهي عبارة محورها الأمل ولا تعني سوى الأمل.

الأمل. هذا كلّ ما تتعلّق به تلك المرأة الخمسينيّة وعائلتها، منذ سنوات خمس مرّت وكأنّها دهر. وأخيراً، صحّت توقّعات كثيرين بأنّها "محنة وتزول"، بعدما تبيّن أنّها "غيمة وانقشعت".

تتعدّد تلك العبارات، وهدفها إذكاء الأمل في نفوس من هم في حاجة. قد تكون مجرّد أقوال نردّدها ببغائياً، عندما لا نجد ما نتفوّه به.. عندما لا نعرف كيف نملأ الفراغ بالكلمات المناسبة.

مختلفة كانت تلك التمارين التي دفعتنا ونحن صغار، إلى العثور على المفردات الملائمة وكتابتها فوق نقط سوداء أو رماديّة تتعدّد لتؤلّف سطوراً طويلة أحياناً. لا ننسى كم مرّة ومرّة خططنا كلمات وأخرى فوق تلك النقط، قبل أن نمحوها ونخطّ غيرها، ونعيد الكرّة. كان ذلك ممكناً. كنّا ندوّن تلك الكلمات بقلم رصاص، قبل أن نزيلها بممحاة. تلك الأخيرة كانت رفيقة وفيّة، تجنّبنا الإحراج في كثير من الأحيان. تلك الأخيرة كانت أشبه بعصا سحريّة، تتيح لنا احتمالات أخرى.

عندما كنّا صغاراً، كنّا نحلم بمماحٍ لا تتآكل مهما استخدمناها، تساعدنا على التخلّص من "منغّصات" كثيرة حسبناها مرسومة بأقلام رصاص. تخيّلوا منغّصات ذلك الزمن!

أمام ذلك المركز المتخصّص، تتنفّس المرأة الصعداء وهي تنتظر خروج ابنها. "أنا نظيف!" ترجمة حرفيّة لما راح يردّده بالإنجليزيّة مرّات ومرّات، في ذلك الصباح. تطمئنه وقد احتضنته بين ذراعَيها، بينما تلوح لها سماء زرقاء صافية، لا تتخلّلها سوى سحابة متوسّطة الحجم إلى صغيرة، رماديّة اللون.. ليس إلى حدّ القتامة.

ترافقه، راجية أن تكون السنوات الخمس التي مرّت وكأنّها دهر، مجرّد تشكيلات بقلم رصاص، إزالتها ممكنة بمجرّد ضربة ممحاة. وتجرؤ على الأمل من جديد. فقد صحّت أخيراً توقّعات كثيرين بأنّها "محنة وتزول"، بعدما تبيّن أنّها "غيمة وانقشعت".

قبل أيام، بينما كان العالم يحتفل باليوم الدولي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها، كانت المرأة الخمسينيّة تقف أمام قسم طوارئ أحد مستشفيات العاصمة. هذه المرّة، كانت تتردّد قبل أن تتنفّس الصعداء. هذه المرّة، لم تكن تعلم إن كان عليها تنفّس الصعداء، وقد نجا ابنها مجدداً من جرعة زائدة.

تلك غيمة.. ولا تنقشع.

المساهمون