غوطة دمشق... النظام وروسيا دمرا مزارع المشمش وصناعة قمرالدين

غوطة دمشق... النظام وروسيا دمرا مزارع المشمش وصناعة قمرالدين

29 مايو 2018
أهالي الغوطة اعتمدوا على تناول قمرالدين لمواجهة الحصار(فرانس برس)
+ الخط -

يفتقد الناشط السوري وسيم الخطيب، موطنه في غوطة دمشق الشرقية والتي خرج منها في مارس/آذار الماضي، إثر تهجير الأهالي بعد سيطرة قوات النظام على المنطقة التي اشتهرت بمزارع الفاكهة بخاصة أشجار المشمش التي يصنع منها شراب قمرالدين والذي يقبل الصائمون على تناوله في رمضان في سورية وعدد من بلدان العالم العربي التي كانت تستورده من سورية، لكن اليوم بعد تدمير الغوطة وتهجير سكّانها، لم تعد مصانع قمرالدين كما كانت، كما يقول الخطيب، موضحا أن مدينة عربين الواقعة على بعد 7 كيلومترات من مدينة دمشق، تعد المركز الرئيسي لصناعة قمرالدين، إذ تتحول شوارعها إلى ساحة كبيرة من ألواح قمرالدين البرتقالية خلال الموسم السنوي الذي يمتد بين شهري إبريل/نيسان وحتى يونيو/حزيران، بعد نضوج المشمش.

وتنتشر أشجار المشمش في الغوطة الشرقية، إذ يصل حجم زراعته إلى 50٪ من بين أشجار الفاكهة في المنطقة، كما يقول كل من الناشط الخطيب والصناعي أحمد حجازي المقيم في محافظة إدلب بعد تهجيره، والذي كان يمتلك معملا لصناعة قمرالدين في الغوطة الشرقية، وبينما تتواجد زراعة المشمش في معظم المحافظات السورية، إلا أن محافظة ريف دمشق كانت تتوفر على 70٪ من المساحة العامة المزروعة بالمشمش، تليها محافظة دير الزور بنحو 8٪، فاللاذقية بنحو 5٪، ومن ثم حمص وحماه وإدلب وحلب وفق ما جاء في الموسوعة العربية.



صناعة قمرالدين

يشرح حجازي طريقة صنع قمرالدين قائلا لـ "العربي الجديد": "يتم في البداية قطف المشمش ثم غسله وتنقيته من الشوائب والحشرات الزراعية عبر آلة اسمها "البخورة"، وبعدها يتم فصل اللب عن الثمرة بواسطة آلة خاصة، وبعدها يدخل إلى آلة أخرى تُدعى "القشارة" حيث يتم تقشير الثمار، ويتم التخلّص من القشور في حين تنتقل الثمار إلى العصّارة، وهناك يتحوّل المشمش إلى عصير".

ويُنقل العصير بعدها بحسب حجازي إلى وعاء كبير وهناك يتم خلطه بالسكّر والقطر ليصبح سائلا مكثّفا، وبعدها يتم سكب محتويات وعاء السائل غليظ القوام، على ألواح خشبية مدهونة بزيت الزيتون ومسطّحة مكشوفة أمام الشمس تُدعى "المسطاح"، وتبقى لمدّة ثلاثة أيام حتى تجف ويصبح المنتج جاهزا للقص وتحويله إلى ألواح صغيرة ثم التغليف والبيع.


وتتوافر في الغوطة أنواع مختلفة من المشمش من بينها "العجمي والفرنسي والكلّابي"، إلّا أن الأخير يُعتبر الأفضل بسبب نضجه الكافي وليونته خصوصا النوع ذا البذور (المرة)، كما يقول حجازي، لافتاً إلى أنّه كان يُصدّر المنتج إلى مصر والسودان والخليج العربي، وتعد السوق السعودية الأكبر، إذ كانت تستهلك 2000 طن من قمرالدين سنويًّا.

ويصعب على حجازي تقدير عدد المصانع في الغوطة قائلاً: "إن معظم سكّان عربين يعملون في صناعة قمرالدين، وكانت سورية تحتل المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً بعد الولايات المتحدة وإيران، في إنتاج قمرالدين، لكن الوضع تغير".



تدمير الأشجار

انخفض عدد أشجار المشمش في الغوطة من 2147 شجرة عام 1991 إلى 1936 شجرة عام 2012، بسبب التوسع العمراني إضافة لاستخدام مياه الري بالمشاريع السياحية في الغوطة، وفق تقديرات أعلنتها وزارة الزراعة السورية ونقلتها صحيفة "تشرين" المحلية في عام 2014.

غير أن هذا الرقم لا يشمل فترة ما بعد القصف السوري الروسي على الغوطة، كما يوضح المزارع حسين السعدي "اسم مستعار بناء على طلبه إذ فضّل تسوية وضعه مع النظام في الغوطة الشرقية ورفض التهجير نحو الشمال"، والذي قال لـ"العربي الجديد": "إن القصف على غوطة دمشق الشرقية الذي امتد لسنوات أسفر عن تدمير معظم الأشجار بما في ذلك أشجار المشمش".

وأوضح أن أشجار المشمش كانت تتركّز في قطاعين داخل الغوطة الشرقية، الأول قطاع المرج ويشمل بلدان المحمدية ودير العصافير وبيت سوا وأطراف سقبا وعربين، في حين يشمل القطاع الثاني المزارع الواقعة على طريق مطار دمشق الدولي، ولا سيما مزارع بلدة بيت سحم شاهقة المساحة، والتي تمتد على طول طريق مطار دمشق الدولي، قائلا: "لم يتبق الكثير من تلك الأشجار، حجم الدمار رهيب".

وعمد النظام إلى نزع الأشجار وحرقها خلال التقدّم البري لقواته، كون كثافة الأشجار لا تصب في مصلحة القوة التي تقوم بالهجوم، لذلك كان يقتلعها أو يحرقها لمنع إعاقة قواته البرية، التي كانت تحاول التقدّم في الغوطة الشرقية، كما أضاف الناشط الإعلامي وسيم الخطيب.


تعويض الشح الغذائي

لم يتوقّف إنتاج قمرالدين خلال فترة حصار الغوطة الشرقية، التي بدأت في منتصف عام 2013، بحسب ما قاله الناشط وسيم الخطيب، والذي أوضح أنّه خلال فترة اشتداد الحصار بات قمرالدين وجبة رئيسية للمدنيين لتعويض الشح الغذائي، وهو ما يؤكده أحمد حجازي لـ "العربي الجديد"، قائلا: "اعتمد سكان الغوطة الشرقية في ريف دمشق على فاكهة المشمش كغذاء لهم في فصل الشتاء، بعد الحصار المطبق الذي تفرضه عليهم قوات النظام السوري"، موضحا أن مكونات قمرالدين هي المشمش والسكّر والقطر والكربون، قائلا: "المشمش كان موجوداً في حين أن القطر والكربون والسكّر لم تكن متوفرة لاستمرار صناعة قمرالدين بنفس الطريقة قبل الحصار".

وأضاف أن برميل القطر البلاستيكي، الذي يحتوي على 220 ليتراً من القطر بات سعره 300 ألف ليرة سورية (الدولار يساوي 515 ليرة) بعد أن كان 4300 ليرة فقط قبل الحصار، في حين أن سعر السكر وصل إلى ثلاثة آلاف ليرة بعد أن كان 150 ليرة للكيلو الواحد.

ويعد مشروب قمرالدين مصدرا لمجموعة من العناصر الغذائية، منها فيتامين A والكالسيوم والحديد والبوتاسيوم ويحتوي على مضادات الأكسدة والألياف الغذائية، ويعتبر مصدرا للطاقة والسكريات والتي يحتاجها الصائمون، ونجح مصنعو قمرالدين في تأمين القطر والسكّر عبر مبادلة عصير المشمش بمواد تصنيع قمرالدين الأولية، إذ يُرسل قمرالدين (برشت) إلى العاصمة دمشق ويُشير هذا المصطلح إلى قمرالدين المُخزّن من العام الماضي، مقابل أن يتم إدخال القطر والسكر والكربون إلى الغوطة الشرقية لاستمرار صناعته، كما أوضح حجازي.

وفي بعض الأحيان، كان النظام يمتنع عن إرسال المواد الأولية، ما يدفع بالصناعيين إلى إنتاج "قمردين دايت" وهو نوع من قمرالدين خالٍ من القطر والسكر. ولكن خلال فترة الحصار، اضطر الصناعيون الذين لا يستطيعون تأمين السكّر والقطر إلى تركيز كل إنتاجهم على "قمرالدين الدايت" وبيعه في السوق الداخلية في الغوطة الشرقية، على ما يوضّح الصناعي حجازي الذي قدّر كمية إنتاج الغوطة بنحو 700 طن من قمرالدين شهريا قبل الحصار، وانخفض حتّى النصف خلال فترة الحصار.



محاولات لاستمرار تصنيع قمرالدين

حتّى خروج المعارضة السورية والمدنيين من الغوطة الشرقية، كان إنتاج قمرالدين لا يزال مستمرّاً، ولكنه توقف بسبب تحوّل الغوطة إلى منطقة مدمّرة خالية من السكّان.


ويحاول النظام السوري العمل على إعادة تأهيل الغوطة الشرقية بما يتوفّر لديه من مدنيين من سكّان المنطقة، بعد أن هاجر قسم منهم نحو الشمال السوري، غير أن طبيعة الدمار الذي لحق بأشجار المشمش والمصانع توحي بأن العودة لن تكون كما كانت سابقاً فق ما يؤكده السعدي والخطيب، فيما تحدث اتحاد الحرفيين التابع للنظام عن أن 100 منشأة صناعية قابلة للعمل في الغوطة الشرقية، وأنه يجري العمل على إعادة تأهيلها، لكنه لم يأتِ على ذكر مصانع قمرالدين.

وبينما هجر النظام وروسيا سكّان الغوطة من منازلهم، سواء كانوا مصنعي قمرالدين أو من غيرها من المهن، يسعى من أجبروا على الرحيل إلى الشمال السوري إلى بداية جديدة، ومن ضمنهم الصناعي أحمد حجازي، الذي يقول إنه من الممكن أن يستأنف مهنته في ريف حلب، بسبب توفّر المشمش الحموي وإمكانية الوصول إلى المواد الأولية.