غوستاف لوبون.. سيكولوجية الثقافات أيضاً

غوستاف لوبون.. سيكولوجية الثقافات أيضاً

02 يناير 2019
(لوبون في 1929)
+ الخط -

يطرح كتاب "سيكولوجية الجماهير" للمفكر والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون (1841-1931) مفارقة تعتبر أن السياق الجماعي للحظة ما تؤثّر بشكل أساسي في سلوك الفرد بل قد تجعله يقدم على تصرّفات تناقض شخصيته تماماً. فكرة بدت غريبة جداً في وقتها لكن سوف تدعمها الدراسات النفسية والاجتماعية لاحقاً، حيث صدر الكتاب في عام 1895.

غداً، في مقر "مكتبة الشبكة العربية للأبحاث والنشر" في الإسكندرية، يناقش هذا الكتاب ضمن فعالية تنظّمها كل من مؤسسة "تفكّر" و"نادي الكتاب مصطفى محمود". ولعل السياقات التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة تساعد في إعادة قراءة هذا العمل.

استرجاع أحد أعمال لوبون اليوم يضيء إشكالية مابين-ثقافية تتعلّق به، فمن موقع الثقافة العربية، يبدو المفكر الفرنسي أحد أشهر أسماء الثقافة العالمية في العصر الحديث، حيث نُقلت إلى العربية أعمال كثيرة وحظيت بمقروئية عالية، ربما لا يحظى بها المفكرون الفرنسيون الأساسيون ممن عاصروه مثل أوغست كونت وهنري برغسون وغاستون باشلار. المفارقة أن المفكر الفرنسي لا يحظى بنفس تلك المكانة في ثقافته الأصلية، حيث يصنّف من مفكري الصف الثاني ولا تحظى أعماله بمقروئية موسّعة.

لا يعود ذلك إلى محتويات أعماله، ففيها من الموسوعية وعمق النظر ما لا نجده لدى كثيرين ممن لمعت أسماؤهم، وإنما يرجع الأمر إلى سياقات ثقافية عامة، فالموقف من لوبون يفضي إلى متاهات كثيرة في كيفية احتواء الثقافة الفرنسية لمفكريها، مَن تصعد بهم إلى النجومية ومن تبقيهم في الظل.

وقف لوبون ضد سياسيّي عصره على أكثر من صعيد؛ كان ضدّ الاستعمار حيث جاهر بأنه يدمّر حضارات عريقة كاسراً تلك الدعاية التي تقول إن الاستعمار يهدف إلى نقل الحضارة إلى شعوب لم تصلها. كما أفسد لوبون على النخب الفرنسية فرحتها بالانتصار في الحرب العالمية الأولى مذكراً بما خسره الشعب وأن معركة أشرس قد تأجّلت إلى سنوات لاحقة، تلك السنوات التي لن يشهدها لوبون ولكنها صدّقت مقولاته في الوقت الذي عمل فيه كثير على طمسه، وقد تهيّأت ظروف كثيرة لذلك منها تهمة اللاسامية التي طالته، إضافة إلى أنه حمل وزر استعمال الحركات الفاشية لمقولاته فحين سقطت وجد الكثيرون فرصة لإسقاط لوبون معها.

ليس لوبون استثناء في هذا الأمر، إذ توجد نماذج أخرى لمثقفين جرى إقصاؤهم، أبرزهم روجيه غارودي، ومن الأحياء اليوم مارك إدوار ناب وتيري مايسان.

بالعودة إلى الثقافة العربية، لعله توجد أسباب كثيرة هيأت للمؤرخ الفرنسي تلك المكانة التي يحظى بها، مثل اشتغاله على الحضارة العربية وقد خصّص لها عمل أصدره في 1884. كما يذكر أن أعماله التي صدرت بالعربية قد حظيت بترجمات جيدة سيما كتابه عن "الحضارة العربية" بترجمة عادل زعيتر، وأيضاً كتاب "سيكولوجية الجماهير" بترجمة هاشم صالح.

المساهمون