غور الأردن في الاستراتيجية الأمنية والعسكرية الإسرائيلية

غور الأردن في الاستراتيجية الأمنية والعسكرية الإسرائيلية

29 سبتمبر 2019
لغور الأردن أهمية عسكرية واقتصادية للاحتلال (عمير كوهين/فرانس برس)
+ الخط -


ابتكر الاحتلال الإسرائيلي بعد إنشاء كيانه المزعوم عام 1948 واستكماله باحتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان وغزة عام 1967، تقسيمات للأراضي الفلسطينية بأبعاد جغرافية وأمنية وعسكرية وثقافية، تبعاً لأهميتها في إطار المشروع الصهيوني وعوامل بقائه وديمومته، ولجأ إلى اختلاق سرديات تاريخية وثقافية ودينية غير حقيقية، خاصة في المدينة المقدسة، لإضفاء شرعية على مشروعه المزعوم، كما قسم فلسطين إلى مناطق ذات أبعاد أمنية استراتيجية؛ غور الأردن شرقاً، والنقب جنوباً، والجولان شمالاً، وسلسلة جبال الضفة في الوسط، ومناطق بموارد طبيعية في الضفة الغربية وشمال غور الأردن، ومناطق عسكرية واستيطانية، غير أن شمال البحر الميت وغور الأردن اكتسب أهمية استراتيجية بعد احتلال الضفة الغربية مباشرة، جوهرها الحفاظ على الحدود الشرقية للكيان وقطع التواصل العربي بين ضفتي نهر الأردن.

يقع غور الأردن وشمال البحر الميت على امتداد الحدود الغربية للأردن، ما بين بحيرة طبريا وصفد شمالاً إلى البحر الميت جنوباً، ومن نهر الأردن حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية غربًا بمساحة تقدر بـ2400 كم2، أي حوالي 28% من مساحة الضفة الغربية، يقطنه 65 ألف فلسطيني، و9500 مستوطن في 31 مستعمرة وبؤرة استيطانية. تبلغ مساحة المنطقة "C" الخارجة عن السيطرة الفلسطينية الكلية حسب اتفاق أوسلو 88.3% من المساحة الكلية للأغوار.

وبالنظر إلى الرؤى والمخططات الإسرائيلية التي طرحت في سياق مشاريع التسوية، وخرائط "المصالح الأمنية" أو "الخطوط الحمراء الأمنية في الضفة الغربية"، فإن الأهمية الاستراتيجية لغور الأردن وشمال البحر الميت إسرائيلياً تتمثل في:

- الحيلولة دون أي تواصل جغرافي وديموغرافي عربي على ضفتي نهر الأردن الشرقية والغربية (الأردن والضفة الغربية).

- وجود عسكري استيطاني يقف حائلاً أو يشكل عائقاً أمام تقدم أي جيوش من الشرق، في حال تغير الأحوال الإقليمية لغير صالح إسرائيل.

- محاصرة الضفة الغربية من الجهة الشرقية على طول الحدود الأردنية.

- السيطرة على ثالث أكبر خزان للمياه الجوفية في الضفة الغربية والذي يقع شمال غور الأردن.

- السيطرة على المناطق الزراعية الخصبة الدافئة والتي تشكل حوالي 38% من مساحة الأغوار.

وعليه تحركت إسرائيل أمنياً واستيطانياً بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967 مباشرة، لوضع الخطط، وتغير واقع الأغوار، بما يخدم الهدف الاستراتيجي بالسيطرة على الأغوار، ومن أهم الخطط التي أعدت مبكراً لتغيير واقع المناطق المحتلة ومن ضمنها غور الأردن، "مشروع أو خطة آلون"، وهو زير العمل الإسرائيلي يغال آلون الذي وضع مخططا مبدئيا عام 1967 طوره بعد ذلك كخطة شاملة، وقدمه كخطة قابلة للتطبيق لحكومة ليفي أشكول (1963-1969)، جاء فيها في ما يخص غور الأردن:

- التأكيد على أن الحدود الشرقية لإسرائيل يجب أن تكون نهر الأردن، وخطاً يقطع البحر الميت بكل طوله.

- إنشاء نظام دفاعي متقدم في غور الأردن، وتحقيق وحدة الأراضي وتأمينها (الضم) من ناحية جغرافية استراتيجية.

- ضم شريط يراوح عرضه بين 10 و15 كم، من غور بيسان وحتى شمالي البحر الميت وبطول حوالي 115 كم على امتداد غور الأردن، مع أقل عدد ممكن من السكان العرب.

- إسكان مليون إسرائيلي على شريط طولي من شمال الأغوار إلى جنوبها.

- خلق تواصل إسرائيلي من صحراء النقب في الجنوب، إلى بيسان شمالاً.

وجاء في مشروع نتنياهو آلون المعدل عام 1997 والذي يشمل الضفة والقدس، أن نهر الأردن هو الحدود المستقبلية لإسرائيل، والذي سيشكل الحدود الدائمة والأبدية مع المملكة الأردنية، بمعنى أنه لا يمكن تفكيك أي مستوطنة، ولا الانسحاب من أي بقعة من الأغوار.

وخطة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية العام 2006 التي تتضمن تشكيل حزام أمني من بيسان شمال الغور إلى البحر الميت جنوباً، لتشكيل "دفاع فعال" على طول غور الأردن، للفصل بين الأردن وفلسطين المحتلة، والحيلولة دون تمدد السلطة الفلسطينية نحو الشرق، وتقترح الخطة تشييد حاجزين (جدار الفصل) في شرق الغور وغربه، بما يضمن عزل الضفة الغربية، كما تقترح الخطة عدة مشاريع استيطانية وصناعية لتشكل حاجزاً صناعيا عمرانيا لقطع التواصل بين الأردن والضفة الغربية.

وللتأكيد على الاستراتيجية الإسرائيلية في غور الأردن، فرضت إسرائيل حقائق على الأرض بما ينسجم مع جوهر المخططات المطروحة، فبالإضافة إلى بناء 37 مستوطنة تستوعب أكثر من 9 آلاف مستوطن على طول غور الأردن من الشمال إلى الجنوب، وهي مستوطنات قريبة من نهر الأردن بحيث تراوح المسافة ما بين 1.5 و6 كم، كما أنها تتركز على نهاية سلسلة السفوح الشرقية لمرتفعات غور الأردن، وتمتاز بالتواصل الجغرافي بحيث تشكل حداً فاصلاً لا تخطئه عين.

وفرضت قيود ثقيلة على البناء والعمران والزراعة، أو القيام بأي نشاط عمراني في أكثر من 55% من مساحة الأغوار بتحويلها إلى مناطق عسكرية مغلقة وإقامة أكثر من 90 بؤرة عسكرية. وسعت إسرائيل بعد العام 2005، إلى فرض مزيد من الإجراءات للحد من حركة الفلسطينيين، من خلال إقامة 4 حواجز ثابتة، والسماح بدخول الأغوار فقط لحاملي الهوية من قرى الأغوار، وفرض تصريح خاص من الإدارة المدنية الإسرائيلية لباقي سكّان الضفّة الغربيّة، كما جرى إبعاد أصحاب الأراضي والمزارعين من سكان الضفة عن أراضيهم في الأغوار ومنعهم من دخولها، ومنذ العام 2013 لجأ الجيش الإسرائيلي إلى الطلب من الفلسطينيين إخلاء مناطق أعلن عنها بأنها مناطق "إطلاق نار"، والتي تبلغ مساحتها أكثر من 55% من المساحة الكلية للأغوار، بحجة إجراء تدريبات عسكرية.

ونتيجة لهذه السياسات الممنهجة هجر الاحتلال من الأغوار منذ العام 1967 أكثر من 50 ألف فلسطيني، وهدمت "الإدارة المدنية التابعة للاحتلال" في الفترة ما بين 2006 حتى 2017 حوالي 700 وحدة سكنية فلسطينية كان يقطنها حوالي 2950 مواطنا، بالإضافة إلى هدم 806 مباني لغير أغراض السكن في الفترة ما بين 2013 حتى نهاية عام 2017، ولا يزال الفلسطيني في الأغوار رغم كل هذه الإجراءات يكابد الاحتلال بشكل يومي للحفاظ على ما تبقى من الوجود الفلسطيني المهدد.