غزوة المالكي الموصلية

غزوة المالكي الموصلية

14 يونيو 2014
+ الخط -

سقوط مدينة الموصل بيد المسلحين من تنظيم داعش أمر جلل وخطير، غريب ومريب. لم يخطر ببال أحد، ولو كان مؤلفاً لقصص خيالية. الموصل الحدباء إحدى أهم المدن العراقية وأرقاها، لكن الأكثر غرابةّ تسليمها إلى "داعش" من دون قتال والهروب المخزي لأشباه العسكريين من جنرالات الدمج، وترك أهلها لمصير مجهول.
تخيل أيها القارئ الموقف العسكري في الموصل في الساعات الاولى من فجر يوم التاسع من يونيو/ حزيران الجاري: ثلاث فرق عسكرية جرارة مجهزة بأحدث  الدبابات  والمروحيات الهجومية المقاتلة والصواريخ والمدافع الثقيلة، وأنواع أخرى من شتى صنوف الأسلحة الفتاكة، وأحدث وسائل الاتصال. جيش لا يقل تعداده عن 45 ألف منتسب، وفرقة للشرطة الاتحادية قوامها 30 ألف منتسب مع 30 ألف منتسب من الشرطة المحلية، فضلا عن وجود فوج لقوات سوات وقوات طوارئ. كل هذه القوات التي سامت الشعب العراقي الذل والهوان، أسرعت في الهروب، وأطلقت سيقانها للريح، تاركة وراءها كل معداتها وأسلحتها، ومن دون أي مقاومة على الإطلاق، وتركت المدينة العزلاء من دون أي دفاع، وأتاحت لمئات من المسلحين، مجهزين بأسلحة خفيفة ومتوسطة، السيطرة السريعة على مدينة واسعة،  مترامية الأطراف، كالموصل بكل مؤسساتها المدنية والعسكرية، بما فيها مقرات الجيش والشرطة ومخازن الأسلحة وطائرات وآليات ومعدات حربية، تم نقل معظمها على الفور إلى سورية، تحت أنظار الحكومة المركزية التي سحبت قوات الجيش من الحدود العراقية السورية والعراقية الأردنية، وتركتها مفتوحة. لتنقل "داعش" بين البلدين المنكوبين العراق وسورية.
وقد عرضت القنوات الفضائية بزات عسكرية لرتب عالية، فريق ركن، لواء ركن، عميد ركن، مرمية تحت الأقدام في منافذ الدخول إلى إقليم كردستان، عندما تزاحم قادة جيش المالكي للهروب إلى الإقليم. هذه القيادات الدونكيشوتية التي طالما هدد نوري المالكي بها إقليم كردستان والمحافظات المنتفضة. 
ألا تشبه هذه المسرحية المبتذلة، سيئة الإخراج نكتة بايخة، لا تضحك أحداً؟
وكنت قد كتبت، في مقال سابق، نشر قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أن الهدف من استدراج تنظيم داعش، حليف بشار الأسد وإيران إلى داخل المدن المنتفضة هو خلط الأوراق وإفراغ تلك المدن من سكانها وتشريدهم لمنعهم من الإدلاء بأصواتهم في يوم الاقتراع، وكنت أقصد سكان مدن محافظة الأنبار في المقام الأول، ومدناً وبلدات في محافظتي صلاح الدين وديالى. ولم أتخيل يوماً أن المالكي سوف يسلم محافظة نينوى بكاملها إلى "داعش"، لأن هذا الاحتمال لم يكن ليخطر على بال أحد، مهما كان رأيه في المالكي الفاشل وحكومته الفاسدة. 
ما حدث في الموصل جاء تتويجا لعمليات مماثلة أقل شأناً، منها انسحاب الجيش من مدن الأنبار، وتسليمها إلى "داعش"، والتواطؤ مع "داعش"، في عملية اقتحام سجن أبو غريب وإطلاق ما يزيد على ألف من عتاة الإرهابيين، وهروب القيادات والحراس، وانسحاب المهاجمين من دون خسائر.
أراد المالكي أن يحول الموصل الى فلوجة ثانية، ويتخذها مبرراً لقصف أحيائها السكنية، بذريعة محاربة الإرهابين داخل المدينة، وأغلب الظن أن أمر المالكي كان ينص على انسحاب الجيش إلى أطراف مدينة الموصل، وقصف المدينة من هناك بالصواريخ وقذائف الهاون، لكن تخبط الجنرالات وخشيتهم من الوقوع في أسر عناصر "داعش" أفسد الأمر كله. وبعد هروب القادة، دبت في صفوف الجيش فوضى عارمة، وحاول كل ضابط وجندي الاقتداء بالقادة الهاربين. وبذلك، فشلت خطة المالكي فشلاً ذريعاً، في تحقيق أهدافها، وخرجت الموصل عن السيطرة تماماً. وهكذا انقلب السحر على الساحر، ومع سيطرة "داعش" على مدن أخرى في طريقها إلى بغداد، أصيب المالكي بالهلع، وأخذ ينشئ جيشاً ميليشياوياً جديداً، ليس للدفاع عن العراق وتحرير المدن المحتلة وطرد الغزاة، بل لحماية الأضرحة المقدسة.
ويطلق العراقيون على جيش المالكي اسم جيش الدمج، لأنه تكوّن نتيجة دمج عدة ميليشيات (عراقية)، متنافسة فيما بينها على الغنائم، وإن كانت كلها موالية لإيران، ومنح المالكي الرتب العسكرية العالية لقادتها وثم عيّن عدداً كبيراً من المتطوعين المدنيين العاطلين عن العمل، أرغمتهم الظروف القاسية على التطوع في الجيش، لتأمين لقمة العيش. وكل هؤلاء لا يجمعهم أي هدف مشترك، وليست لديهم أي خبرة قتالية في ظروف الحرب، وغير مؤهلين لخوض أي معركة حقيقية، لأن قتل المدنيين العزل بدم بارد شيء وقتال المسلحين شيء آخر.
قوات المالكي (الأمنية)، أو بتعبير أدق، جستابو المالكي، تخصصت في تعذيب السجناء واغتصاب السجينات، وتهديد واعتقال المدنيين الأبرياء لأقل شبهة وإشهار السلاح بوجوههم وابتزازهم تحت التهديد بانتهاك أعراضهم. هذه هي (بطولات) جيش الدمج. ماذا يتوقع الإنسان من جيش يقوده جنرالات كرتونية مشغولون بسرقة المال المخصص لأرزاق الجنود؟ حتى الإجازات المستحقة للضباط والجنود لا تمنح الا لقاء رشى. ومنذ مذابح الفلوجة لا يعود أي ضابط أو جندي الى وحدته بعد انتهاء أجازته. وبلغت نسبة الهروب من الجيش أكثر من 30 %، بعد استشهاد أكثر من ستة آلاف وإصابة ما لا يقل عن 25 ألف جندي وضابط بجروح وإعاقات دائمة.
تصور، أيها القارئ الكريم، أن 300 ألف جندي وضابط يفضلون البطالة وفقدان لقمة العيش على البقاء ضمن جيش مهزوز ينخره الفساد.
 
 
 


 

1B47CA75-D718-4EBF-A5AC-2E98440902F3
1B47CA75-D718-4EBF-A5AC-2E98440902F3
جودت هوشيار (العراق)
جودت هوشيار (العراق)