غزة مؤشر إرادة لرافضي الانقلاب

18 يوليو 2014
+ الخط -

المتأمل في أحوال مصر والمنطقة العربية، حالياً، وما ترتب عليها من كبوات وتعثرات للربيع العربي، وما أحدثه الانقلاب العسكري في مصر من تثبيط وانتكاسة لشعوب المنطقة كافة، المتطلعة لتملك إرادتها، والانعتاق من ذل التبعية التي أوقعتها فيها النظم العربية والنخب المتصهينة على مدار الحقبة الماضية، يدرك أن هذه الشعوب كانت في حاجة إلى حدثٍ ما، يؤدى إلى استفاقة من آثار الهزيمة النفسية، لفشل بعض تجارب الربيع العربي، ليبعث فيها الروح من جديد.

في ظل الحرب الدائرة على أهلنا في غزة، ولم تكن مفاجئة لأحد، وحيث تسارعت الخطى، منذ انقلاب الثالث من يوليو، تمهيداً لما يحدث الآن في غزة، يتضح أن المسألة كانت موضوع اختيار وقت بما يلائم مصالح الكيان الصهيوني المحتل، وأن النظام المصري يؤدي السمع والطاعة، ويمهد الأرض لاستكمال مخطط الصهاينة.

في الداخل المصري، ورغماً عن استمرار الحراك الثوري، وتعاظمه على مدار أكثر من عام، وكسب نقاط كل يوم ضد النظام، على الرغم من التواطؤ الدولي والإقليمي، إلا أن شعوراً بالركود واهتزازاً في الثقة بدأ يتسرب إلى نفوس بعضهم، خصوصاً مع تصعيد النظام للعنف، واستخدام إمكاناته الإعلامية، وتوظيف طاقات داعميه الإقليميين والدوليين لخدمته وتلفيق شرعية له. لا يعمل النظام الانقلابي ضد المصريين وثورتهم فقط، بل، أيضاً، ضد الفلسطينيين ومقاومتهم، فقد عمل بكل قوته ضدهم، وظن، كما ظن الكيان الصهيوني المحتل، واعتقد أن في وسعه القضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية، وأن الأمر سيكون نزهة، ومن بعدها، سيتفرغ لتوجيه ضربة قوية للحراك الثوري في الداخل المصري، لا سيما لجماعة الإخوان المسلمين.

لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي سفينة الانقلاب والمحتل الصهيوني. حيث كشف الهجوم الصهيوني على غزة حجم الخديعة الكبيرة التي وقع فيها كثيرون من الشعب المصري والشعوب العربية، والذين غابت عنهم حقيقة النظم التي تسلطت عليهم، والتي لم تحرك ساكناً إلا عندما تألم الصهاينة وأمر الأميركيون بالتحرك. وقلبت المقاومة الباسلة الموازين بالمفاجآت التي صدرتها، والإبداع في التكتيك والتخطيط والتنفيذ، ونوعية السلاح المستجد وغيرها، ما جعل الكيان الصهيوني، ومعه حليفه نظام السيسي، في ورطة كبيرة، لم تكن في حسبانهم.

غزة والمقاومة فيها تضرب مثالاً حياً للعرب أجمعين، وخصوصاً الشعب المصري، وأكثر خصوصية رافضي الانقلاب، أن المسألة مسألة إرادة، وأن الشعوب لا تهزم، طالما تملكت إرادتها. مثلت أحداث غزة وقوداً جديداً لرافضي الانقلاب في مصر، مؤكدةً أن نظام الثالث من يوليو لم ينقلب على رئيس منتخب فحسب، ولكنه انقلب، أيضاً، على أمن مصر القومي وهويتها وقضاياها الثابتة تاريخياً.

حجم الرعب الذي أحدثته صواريخ المقاومة في الداخل الصهيوني أظهر هشاشة الكيان الصهيوني، ومثل مصدر ثقة وعزة لدى عموم جماهير الربيع العربي، التي تبين لها حجم التآمر الصهيوني على ربيعهم، وعلى رغبتهم في تملك إرادتهم. فما يحدث في غزة من صمود ومقاومة يؤكد أن الفرد المؤمن بقضيته أهم سلاح، وأن الإرادة هي القوة الحقيقية، وهي مصدر الكرامة والعزة، فالإرادة الصلبة لن تكسرها جيوش العالم، ولو اجتمعت، هذا هو الدرس الذي صدرته لنا أحداث غزة، وعلمته المقاومة لجيوش صدئت بنادقها ومدافعها، وأخرى وجهت أسلحتها لقمع شعوبها.

D14DCC9E-4695-4E3F-AF5D-957B3D79F68C
D14DCC9E-4695-4E3F-AF5D-957B3D79F68C
محمد الشبراوي (مصر)
محمد الشبراوي (مصر)