غزة في قلب الانتفاضة اللبنانية

غزة في قلب الانتفاضة اللبنانية

22 نوفمبر 2019
+ الخط -
كانت غزة الجريحة بشهدائها وجرحاها حاضرة بقوة في ساحات الاحتجاجات في لبنان، يوم الأحد الماضي. الشباب الثائرون رفعوا العلم الفلسطيني وهتفوا لشهداء غزة الأبرياء الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي خلال العملية العدوانية التي شنها على القطاع أخيرا. وذهبوا إلى أبعد من ذلك حين عبروا عن استيائهم لوقوف حركة حماس موقف المتفرج خلال الاعتداء.
منذ زمن، غابت فلسطين عن ساحات الحراك الشعبي في لبنان، ولكن ثورة الشباب الحالية أعادتها إلى قلوب الناس وضمائرهم، وهذا يدل على التحول والتغير اللذيْن أحدثهما شهر من الاحتجاجات الشعبية ذات المطالب الاجتماعية والاقتصادية في وعي الناس المنتفضين. شهر من التظاهر ومن رفع الصوت عالياً ضد فشل نهج وفساد حكم، لم يوقظ فحسب حسّاً وطنياً جامعاً بين مختلف أطياف المحتجين في الساحات، بل أيقظ في وعي المنتفضين في لبنان شعوراً بالتضامن مع الظلم الجارف الذي يتعرّض له أهالي غزة من إسرائيل التي تحاصرهم منذ 2007.
منذ أكثر من 12 عاماً، تعرّض الغزّيون لأكثر من عملية عسكرية إسرائيلية، جديدها العملية التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم "الحزام الأسود" التي أعقبت اغتيال إسرائيل القائد العسكري في حركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا واستمرت 50 ساعة قام خلالها الجيش الإسرائيلي،
 بتعاون وثيق مع جهاز الشاباك والاستخبارات العسكرية، بعملية اصطياد لخلايا الجهاد الإسلامي المكلفة بإطلاق الصواريخ على إسرائيل وتدميرها. وبحسب الرواية الإسرائيلية استطاع الجيش أن يحقق مهمته بنجاح.
ما جرى في غزة يستحق وقفة خاصة للاطلاع على خلفياته الفعلية ودلالاته على مستقبل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. عدة نقاط يتعيّن الانتباه إليها؛ أولاً تعتبر عملية "الحزام الأسود" عملية استباقية، وهي لم تكن فقط موجهة ضد أبو العطا الذي تتهمه إسرائيل بأنه كان وراء الصاروخ الذي أطلق على أشدود خلال مشاركة نتنياهو بتجمع انتخابي، ما اضطر حراسه إلى إخلائه على وجه السرعة، ويقال إنه منذ تلك اللحظة اتخذ قرار تصفية أبو العطا، والذي تدعي إسرائيل أنه كان يخطط لهجمات جديدة. وكان الاغتيال مقدمة لعملية إسرائيلية مركزة هدفها إضعاف حركة الجهاد الإسلامي في غزة دون سواه، بعد اتهامه بأنه ينفذ أجندة إيرانية في القطاع ويأتمر بأوامر طهران. لذلك في نظر العديد من المعلقين الإسرائيليين، جولة العنف الأخيرة في غزة هي جزء من المواجهة الدائرة بين إيران وإسرائيل.
نقطة ثانية لا تقل أهمية هي إعلان إسرائيل منذ اللحظة الأولى أنها لا تستهدف حركة حماس ما دام أنها لم تشارك في القتال الدائر بين الجهاد وإسرائيل. وروج المعلقون الإسرائيليون روايات تقول إن مقتل أبو العطا يخدم الحركة لأنه كان من الذين حاولوا استفزاز الحركة على الدوام وتحريض الشارع الفلسطيني عليها بأنها لم تعد حركة مقاومة إسلامية بل حركة تهادن وتفاوض العدو من أجل التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد. في هذا السياق، برز الاستخدام الإسرائيلي البشع للضائقة الاقتصادية والإنسانية التي يعانيها سكان القطاع منذ سنوات، وكانت من بين الأسباب الأساسية التي دفعت "حماس" إلى البحث عن وسيلة للتخفيف من الحصار وتحسين مستوى حياة المواطنين الفلسطينيين في غزة. من هنا قبول "حماس" بشروط التهدئة ووقف أي إطلاق نار من القطاع على إسرائيل. سكوت "حماس" على العملية التأديبية الإسرائيلية ضد "الجهاد الإسلامي" الذي دفع ثمنها من أرواحهم مواطنون أبرياء بينهم أفراد عائلة السواركة له أهمية ودلالة بعيدة المدى على مكانة "حماس" السياسية في غزة. كما يظهر بوضوح سعي إسرائيل الحثيث إلى 
تدجين الحركة ضمن منطق العصا والجزرة، وتحويلها إلى صورة أخرى عن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وتجب الإشارة إلى أن معادلة "هدوء مقابل مساعدات مالية وإنسانية" ترسخت بصورة خاصة، مع تمسك حكومة نتنياهو بسياسة تقوم على التمييز والفصل بين كيانين فلسطينيين منفصلين، واحد في الضفة الغربية وآخر في القطاع.
نقطة ثالثة مهمة أن عملية "الحزام الأسود" هي أولى ثمار الخطط التي وضعها رئيس الأركان الجديد أفيف كوخافي الذي يعمل على تطوير عقيدة عسكرية جديدة تستند إلى التعاون العملاني الوثيق بين كل أسلحة الجيش والأجهزة الاستخباراتية من أجل استخدام ذكي وكثيف للنار ضد أهداف في القطاع. ثمة من يقول إن النتائج التي أسفرت عنها هذه العملية يمكن أن تشكل نموذجاً لعمليات عسكرية أخرى ضد فصائل فلسطينية أخرى في القطاع، وربما أيضاً مستقبلاً ضد "حماس في غزة وحزب الله في لبنان.
من أهم دروس عملية "الحزام الأسود" أننا ربما أمام مرحلة جديدة من المواجهات في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية التي تسميها إسرائيل فصائل مارقة، ما يطرح تساؤلات بشأن ما سيكون عليه موقف "حماس" حيال ما يجري في القطاع.
رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر