غزة بين سنغافورة والحاكورة

غزة بين سنغافورة والحاكورة

22 يونيو 2015
+ الخط -
واضح أن غزة تقع بين خيارين: إما أن تتحول، بقدرة قادر، إلى سنغافورة، بما تعنيه الكلمة من رغد في العيش وطيب في المسكن وحرية التنقل و.. و..، أو أن تعود إلى زمن الحاكورة في الضيق والقحط والفقر، حتى تصبح "مدينة البؤساء".
وبالطبع، ليس هناك فلسطينياً يرفض العيش في ترفٍ. ولكن، ثمة ثمن يجب أن يدفع مقابل اندفاع المجتمع الدولي نحو تحسين الوضع الاقتصادي في غزة، وإعادة إعمار ما خلفته الحرب الإسرائيلية في صيف العام الماضي.
ويسأل سائل: ما هو الثمن المراد دفعه، حتى تتحول هذه النار المسعرة إلى جنة عريضة؟ وهنا اختصر وزير الخارجية الألماني، فرانك ولتر شتاينماير، في زيارته، أخيراً، إلى القطاع، الإجابة في كلمتين: الأمن مقابل التنمية.
ذلك يعني ويوضح أن أمن إسرائيل، بالنسبة للمجتمع الدولي، مقدمٌ على أي مصلحة تتعلق بالشعب الفلسطيني، وبالتالي، فإن الثمن المراد من الفلسطينيين دفعه أن يحققوا هذه الغاية الدولية، بوقف كل أشكال المقاومة. 
وبالمناسبة، أصبح الفلسطينيون الآن يدركون أن المقاومة وحدها لا يمكن أن تصنع شيئاً. لهذا، بات ممكناً إعطاء فرصة للجهود السياسية، وفتح الباب أمام الدبلوماسية الغربية، لتمارس دورها في الوصول إلى صيغة اتفاق بين المقاومة وإسرائيل. 
وكما قلنا، لم تكن رغبة المجتمع الدولي في التوصل إلى اتفاق هي مصلحة للفلسطينيين، بقدر ما أن المسألة بمثابة مسكّن لتخفيف حدة الصداع الذي تسببه غزة للعالم. وعليه، بات يطرح اليوم خيار "تهدئة طويلة الأمد"، وليس تمديد التهدئة القائمة بين الطرفين منذ أغسطس/آب الماضي، لسببين. أولاهما، أن المانحين غير مضطرين لأن يعمروا غزة مرة كل عامين، وبالتالي، هم يتطلعوا إلى مدى طويل من الهدوء ووقف استنزاف الخزائن المالية. ولهذا، يساومون المقاومة على سلاحها في مقابل أن يحولوا غزة إلى سنغافورة. والثاني أن التهدئة الطويلة ستساعد في تحسين فرص الوصول إلى تسوية، فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي مستقبلاً، غير أن التهدئة التي تطرح في هذا التوقيت الذي يعاني فيه الفلسطينيون من انقسام بغيض بين شطري الوطن (الضفة وغزة) يدفع حركة حماس التي تتحكم في مفاصل الحياة السياسية في غزة للتروي قليلاً، قبل إعطاء الكلمة الفصل، تلافياً للسقوط في فخ إقامة دولة منفصلة في القطاع، وهذا بالمناسبة ما تحذر منه حركة فتح.  
ولكن، في المقابل، ثمة تفكير عميق باتجاه الذهاب إلى سنغافورة، عذراً أقصد باتجاه تهدئة في غزة تضمن حرية تنقل الأفراد، وتقيم ميناء بحرياً وتوفر سبل الانتعاش الاقتصادي للقطاع الذي وصلت فيه نسبة الفقر إلى أكثر من 60%، لأنه ليس مبرراً إبقاء القطاع "حاكورة" مطوقة بسياج أمني وكاميرا مراقبة، يتربص الموت سكانها المحرمون من أدنى مقومات العيش.
وعليه، ستذهب حركة حماس باتجاه الموافقة على تهدئة، تضمن لها ثلاثة أمور على الأقل:
أولاً: الحفاظ على مستقبلها السياسي حركة تواجه خطراً حقيقياً بصفتها تمتد أيدلوجياً لجماعة الإخوان المسلمين.
ثانياً: إخضاع خصمها "فتح" للقبول بمصالحة وطنية، وفق ما يلبي طموح "المشايخ"، بصفتهم سيصبحون الطرف الأقوى في المعادلة.
ثالثاً: تحسين ظروف القطاع، بما يحسب على أنه إنجاز لصالح حماس، وبالتالي، يخدمها في صندوق الاقتراع، فيما لو جرت انتخابات لا سمح الله!
 
 
avata
avata
فادي الحسني (فلسطين)
فادي الحسني (فلسطين)