غزة انتصرت وإسرائيل انكسرت

10 اغسطس 2014
+ الخط -


"حماس انتصرت"، هكذا عنونت صحيفة هآرتس الإسرائيلية صفحتها الأولى الأربعاء الماضي. ليس هذا فقط، بل إن اللواء المتقاعد في جيش الاحتلال غيورا آيلاند، يقول في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرنوت، إن لدى حماس جيشاً قوياً ونوعياً وقادراً على الانتصار. إسرائيل ثارت براكينها في وجه قيادتها، وغضبت لانسحابها المعلن، وهزيمتها النكراء، بل إن إعلان الحرب على القطاع كان خطوة غير مدروسة وغير مضمونة النتائج.

الهدنة التي حدثت وانتهت، ومدتها 72 ساعة، وقُدمت على طبق من ذهب للمقاومة، جاءت مخرجاً لإنقاذ الجيش الاسرائيلي من هاوية السقوط، وانهيار بنيته أمام ما يحدث من صمود ومقاومة في القطاع. حتى إن بنيامين نتنياهو اختلق مبررات لذلك، لكي يضع لنفسه مخرجاً من النفق الذي تعمَّق وانحدر فيه بأسلوب جيد ومقبول.

نتنياهو، وبخيبة أمل ونكسة، أدرك حتماً أنه ليس في وسعه القضاء على المقاومة في غزة، ولا خيار أمامه سوى الانسحاب بأي طريقة، في ظل حسابات وخطوات خاطئة غير مدروسة، في قرع طبول حربٍ أدت إلى فشله، وتشويه صورة إسرائيل وقيادتها في العالم. كما شعر المجتمع الإسرائيلي بأسره بالخوف والقلق، وهو يشاهد آلاف الصواريخ تتساقط مطراً على تل أبيب وضواحيها، وذهل من صمود المقاومة، وثبات رجالها، وتألم وهو ينظر إلى جنوده، وهم يتساقطون تحت ضربات المقاومة.

أثبتت المقاومة وجودها الصارم، وعزمها الثابت، وصمودها القوي في أرض المعركة. من دون أي تأثير سياسي، على الرغم من العروض الهائلة، والوفود الدولية المتفاوتة لقبول ذلك. وهذا ما أهَّلها لتأسيس جيش قوي، وحماية متينة، جاهزة لمواجهة العدو، ومقاومته في أحلك الظروف.

غزة انتصرت برجالها، وجهودهم، بصمود أهلها وثباتهم. بهمتها الصلبة، وقوتها الجبارة في دحر العدو وشل حركته، وامتصاص إمكاناته، وحرق شباك قوته، وقص نفوذه وأذرعه. غزة انتصرت بمفردها، من دون دعم أو مساندة عربية، بل، وللأسف الشديد، حدث العكس. غزة انتصرت في وقت تآمر العالم كله عليها، غزة انتصرت، لأنها لم توافق على أن يكون لها شريك، أو داعم من أي دولة، لكي لا يكون تحت تأثير توافقي، أو غطاء سياسي. غزة انتصرت، لأنها سلكت طريق المقاومة والصمود دون سواهما. غزة انتصرت للعروبة، واسترجعت كرامة الإنسان المسلوبة، وقطعت شريط التهاون والانتهاك الإنساني. غزة انتصرت، على الرغم من أنف الجميع، على الرغم من السكوت المخزي الفظيع، على الرغم من الخذلان العربي المُمِيت، على الرغم من تحالف بعض الأعراب مع العدو الخبيث، على الرغم من غفلة النسيان وعدم النظر إلى الطفل البريء، على الرغم من غياب التلاحم الأخوي؛ ودفن شيء اسمه الضمير.
هكذا استطاعت غزة ان تزرع مجد صمودها، وتخلق شمس حضارتها، وتُنير مصابيح ضيائها، وتصنع معجزة عظيمة، قلَّ ما وجدت في عالمنا اليوم وحاضرنا المعاصر. واستطاعت ان تُحدث نقلة نوعية في تلمس الواقع، والتحول من نقطة الدفاع إلى الهجوم.

لقد جعلت غزة من نفسها قيادة رشيدة للأمة، وإدارة حكيمة للمستقبل، وتحولت إلى أسطورة عالمية، وقوة لا يستهان بها، أذهلت العالم بصلابتها الفولاذية. أجبرَ رجال المقاومة الجيش الإسرائيلي على الانسحاب والهروب من غزة، تاركين وراءهم علامات استفهام كثيرة، تبحث عن أجوبة، واستفسارات عديدة، لا هروب منها، عن قتل للأبرياء والأطفال، ودمار وخراب للمباني والأحياء، دون تحقيق هدف ظاهر على السطح، وملموس على أرض الواقع. ولقَّنتْ المقاومة في غزة إسرائيل درساً قاسياً لن تنساه ابداً. وستظل هزيمة إسرائيل وانكسارها، على الرغم من تجدد القصف على القطاع بعد الهدنة، لعنة على جبين إسرائيل، وكابوساً مرعباً سيلاحقها زمن طويل، وطعنة خنجر مغروسة في خاصرة تقاعس الأمة العربية وزعمائها.

CB59BB83-CDAC-4C33-81B8-A68DBAFDF14C
CB59BB83-CDAC-4C33-81B8-A68DBAFDF14C
راكان عبد الباسط الجُبيحي
راكان عبد الباسط الجُبيحي: مدوّن من اليمن.
راكان عبد الباسط الجُبيحي