غرباء وطننا

غرباء وطننا

25 يناير 2016
(Getty)
+ الخط -
في البداية في 2011 كنا نظن أننا حققنا انتصاراً. فرح أغلبنا بأننا "خلعنا مبارك" وهتفنا "الجيش والشعب يد واحدة". ثم بدأ البُساط يُسحب من تحت أقدامنا باستفتاء 19 مارس/آذار الذي أجراه "المجلس العسكري" الحاكم للبلاد في ذلك الوقت، ثم فوجئنا بمّد الفترة الانتقالية للمجلس العسكري من ستة أشهر إلى عامين.. تلاه تضييق علي حرية الرأي والتعبير، إلى انتهاك واضح للمظاهرات الشعبية والثورية، من فض تظاهرات واعتصامات بقنابل الغاز والخرطوش، ثم تطور الأمر إلى قتل المتظاهرين بالرصاص الحي، وإلى محاكمات عسكرية للمدنيين، إلى كشوف عذرية على الفتيات المشاركات في التظاهرات، ثم اجتمع قادة المجلس العسكري مع القادة السياسيين في البلد في تلك الفترة 2011 إلى 2012.

تطور الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك بعد انعقاد البرلمان في أواخر 2011 ورأينا مهازل فيه، من تمرير قوانين تعرقل المسار الحقيقي للثورة وخارطة الطريق التي اتفق عليها الثوار مع القادة السياسيين "النخب". 

الانشقاق الأعظم كان في بدايات 2013 عندما انقسمت الحركات الشبابية أثناء الانتخابات الرئيسية، وبدأت بالفعل وتيرة التخوين والمزايدات مرة أخرى، ولكن هذه المرة من القوى الشبابية نفسها، بعدما كان يُستخدم هذا الخطاب من قبل المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين.

أغلبنا في 2013 تخيل أن باستطاعتنا رسم خريطة طريق الثورة مرة أخرى بظهور "حركة تمرد". وللأسف "من وجهة نظري" انسقنا وراءها إلى عزل "محمد مرسي والجماعة" ثم جرت الأمور بسرعة غير متوقعة، وبشكل غير طبيعي خلال شهر واحد من سيطرة كاملة لـ"المؤسسة العسكرية" على كل مؤسسات الدولة بالإضافة إلى القادة السياسيين، وتشريع قوانين أشبه بالقوانين العسكرية، من حل البرلمان، مروراً بوقف العمل بالدستور، ثم ظهرت الدولة العميقة بشكل صارخ ومستفز، وبدأت القوانين بالعمل وعلى رأسها "قانون منع التظاهر".. وبدأت التهم المعلبة تُلفق من جديد، وعلى إثرها، تم اعتقال غالبية القادة الثوريين الشباب، ومن أبرزهم علاء عبد الفتاح، وأحمد ماهر...

مع حلول "الجنرال العسكري" في 2014 على رأس السلطة المدنية، هيمنت المؤسسة العسكرية مرة أخرى بشكل واضح جدًا علي كل الجهات السيادية في الدولة، بدايةً من إرساء جميع المناقصات الاقتصادية، وخروج القطاع العام والخاص من المعادلة الاقتصادية، إلى منع الإعلاميين والشخصيات العامة من الظهور على التليفزيون أو حتى تقديم برامجهم، مثل: يسري فودة، وريم ماجد، وباسم يوسف، وعمرو حمزاوي، وكل من يؤمن بالخامس والعشرين من يناير.

إلى أن وصلنا إلى العام المشؤوم 2015 والدولة العميقة ظهرت في المشهد مجدداً من (خروج قيادات نظام مبارك من السجون، وظهور قيادات الحزب الوطني المنحل، ورجال أعمال دولة مبارك، وتسييس القضاء) ثم وصلنا إلى ما هو أسوأ من ذلك من اعتقالات واختفاءات قسرية، إلى تصفية جسدية لكل من له علاقة بثورة 25 يناير.

يوماً ما كان لدينا حلم وثورة.. الحلم مات مع الشهداء، وأصبحنا فقط نراه في أجساد المصابين وعيون أولاد الشهداء والمعتقلين؛ والثورة دهستها الدبابة، وقطع صوتها التيار الديموقراطي، الذي آمنّا به وبشعاراته، ولكنه أتى بديموقراطيته علي ظهر الدبابة، هذا الصوت الذي طالما نادى بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

الآن ما بين "العسكرة والأسلمة" يقف في المنتصف أبناء الحلم الواحد "أبناء الخامس والعشرين من يناير". بعدما كنا دولة بلا أمراء وشعبها هو السلطان، أصبحنا غرباء في أوطاننا الذي ضحينا بأجسادنا وأرواحنا من أجله.


اقرأ أيضاً: عبد الرحمن منصور: لم ننتصر.. ولم ينتصروا أيضا

المساهمون