غاز أميركا الدعائي... أوروبا تفضل الإمدادات الروسية رغم الخلافات

غاز أميركا الدعائي... أوروبا تفضل الإمدادات الروسية رغم الخلافات

31 أكتوبر 2017
الدول الأوروبية تُخزن الغاز للاستفادة من انخفاص الأسعار (Getty)
+ الخط -
على الرغم من تصاعد الخلافات السياسية، وحرب العقوبات الاقتصادية، بين روسيا والغرب منذ أكثر من ثلاث سنوات، ظلت إمدادات الغاز الروسي إلى بلدان الاتحاد الأوروبي بمنأى عن هذه التوترات، بل سجلت ارتفاعاً ملحوظاً، بينما يظل الغاز الأميركي، الذي وصفه خبير في الطاقة بـ"الدعائي" بعيدا عن خيارات الدول لارتفاع أسعاره.

وسجلت صادرات الغاز الروسي إلى بلدان خارج رابطة الدول المستقلة (الجمهوريات السوفييتية سابقا)، أرقاما قياسية جديدة بلغت نحو 180 مليار متر مكعّب في العام الماضي، و148.6 مليار متر مكَعّب منذ بداية العام الحالي 2017، أي بزيادة نسبتها 10.3%، مقارنة بنفس الفترة من 2016. وبذلك تتجاوز حصة روسيا في إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الوقود الأزرق، حاجز الثلث.

وازداد إجمالي إنتاج الغاز في روسيا خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2017 هو الآخر بنسبة 13.3%، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، ليبلغ 438 مليار متر مكعب.

وأرجع عملاق الغاز الروسي "غازبروم" هذه الزيادة في الإنتاج إلى الطلب القياسي تاريخيا على الغاز الروسي في الدول الأوروبية، الذي ارتفع بنسبة 11.3% خلال تلك الفترة.
وكانت لكل من النمسا وألمانيا وسلوفاكيا وتشيكيا، الحصة الكبرى في زيادة الطلب على الغاز الروسي، بنسب بلغت 48.3% و9.7% و31.4% و27.5% على التوالي.

عوامل اقتصادية
يرى رئيس قسم التحليل بصندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، ألكسندر باسيتشنيك، أن زيادة إمدادات الغاز الروسي تعود إلى مجموعة من العوامل، وفي مقدمتها تعافي الاقتصاد الأوروبي، واقتراب موسم الشتاء، والمخاوف من تعطل الترانزيت عبر أوكرانيا، وبقاء أسعار الغاز عند مستويات منخفضة.

ويقول باسيتشنيك في حديث لـ"العربي الجديد": "تجاوز اقتصاد منطقة اليورو مرحلة الركود، وهناك توقعات بنموه في حدود 2%، كما تسعى البلدان الأوروبية لتخزين كميات أكبر من الغاز قبل بدء الموسم الشتوي لعلمها أن أوكرانيا بلد ترانزيت لا يمكن الاعتماد عليه".

وحول الظروف السوقية الراهنة التي دفعات بالبلدان الأوروبية لزيادة مشترياتها من الغاز الروسي، يضيف: "قبل ثلاث سنوات، كانت أسعار الغاز الروسي لبعض الدول الأوروبية تزيد عن 500 دولار لكل ألف متر مكعب، لكنها أصبحت أقل من 200 دولار في الوقت الحالي. وتدرك البلدان الأوروبية أن هذه الأسعار المنخفضة لن تدوم طويلا، نظرا للارتباط المؤجل لأسعار الغاز بأسعار النفط مع التأخر لنحو ستة أشهر. وفي حال قاربت أسعار النفط حاجز الـ60 دولارا، فإن أسعار الغاز ستزداد أيضا".

وبعد حروب الغاز بين روسيا وأوكرانيا، التي أسفرت عن اضطرابات في توريد الغاز إلى أوروبا، سعى الاتحاد الأوروبي لتنويع مصادر إمداداته عن طريق إطلاق مشروع خط أنابيب الغاز "نابوكو" لنقل الغاز من أذربيجان وتركمانستان بطاقة تمريرية بين 40 و50 مليار متر مكعب سنويا، وزيادة واردات من الغاز الطبيعي المسال.

إلا أن مشروع "نابوكو" لم ير النور وتم استبداله بخط الأنابيب العابر للأناضول، الذي سيوفر للسوق الأوروبية 10 مليارات متر مكعب فقط من الغاز الأذربيجاني بحلول عام 2020.
وفي ظل التوتر السياسي بين الغرب وروسيا، حاولت صادرات الغاز الأميركي أن تجد لها مكانا في السوق الأوروبية، إلا أن ارتفاع أسعارها يجعل المعادلة في صالح الغاز الروسي، وكذلك الغاز المسال القادم من قطر والجزائر.

ولا يزال الغاز الطبيعي المسال أعلى كلفة من غاز الأنابيب، فضلا عن الصعوبات اللوجستية لنقله وتخزينه، كما أن هناك انخفاضا في إنتاج الغاز الطبيعي في النرويج.

ويقول باسيتشنيك في هذا السياق: "صحيح أن هناك إمدادات للغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي من الجزائر وقطر والولايات المتحدة وحتى أستراليا، إلا أن كلفة الغاز الطبيعي المسال الأميركي تزيد بنحو 50 دولارا لكل ألف متر مكعب مقارنة بالغاز الروسي، لذلك، لا يمكن للغاز الأميركي منافسة غازبروم في السوق الأوروبية بأي حال من الأحوال".

وأضاف أن الغاز الأميركي بمثابة " خطوة دعائية من قبل واشنطن"، مشيرا إلى وجود صعوبات لوجستية أيضا لنقل الغاز المسال مثل نقص ناقلات الميثان وفترات أطول لإيصاله".
وأشار إلى أن الغاز المسال القادم من الجزائر وقطر لا يزيد كثيرا عن أسعار غاز الأنابيب، ما يجعله أكثر تفضيلا أيضا من الغاز الأميركي بالنسبة للدول الأوروبية.

تنويع مسارات نقل الغاز

وفي ظل إدراكها أن الأزمة في علاقاتها مع كييف ستدوم لسنوات، تبحث موسكو عن مد خطوط أنابيب غاز بديلة لعدم مرور الغاز بالأراضي الأوكرانية، وفي مقدمتها "السيل التركي" و"السيل الشمالي-2".

ومن المقرر أن يضم مشروع "السيل الشمالي-2" الموازي لـ"السيل الشمالي"، أنبوبين بطول 1200 كيلومتر وطاقة تمريرية 55 مليار متر مكعب سنوياً عبر قاع بحر البلطيق حتى مدينة غرايفسفالت الألمانية، على أن يتم تشغيل الخط قبل نهاية عام 2019.

أما "السيل التركي"، فيضم أنبوبين بطاقة تمريرية تصل إلى 15.75 مليار متر مكعب لكل واحد منهما، وأحدهما لتوريد الغاز الروسي إلى تركيا والثاني لعبوره إلى بلدان جنوب أوروبا.

وفي الوقت الذي تسير فيه موسكو وأنقرة بخطوات متتالية في تحقيق مشروع "السيل التركي" منذ احتواء الأزمة الناجمة عن إسقاط الطائرة الحربية الروسية من قبل سلاح الجو التركي، يواجه "السيل الشمالي-2" عقبات واحدة تلو الأخرى بين اعتراض دول بعينها داخل الاتحاد الأوروبي مثل بولندا أو الدنمارك، وقانون العقوبات الأميركي الجديد الذي يطاول الشركات المستثمرة في الخطوط الروسية لتصدير الغاز.

وفي آخر تطور من هذا القبيل، ذكرت صحيفة "إزفيستيا" الروسية قبل أيام، أن البرلمان الدنماركي سيتبنى بحلول 30 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، قانونا يمنح الحكومة الحق في منع مشاريع في المياه الإقليمية للبلاد لاعتبارات "الأمن القومي" وليس لدوافع حماية البيئة فقط.

إلا أن رئيس قسم التحليل بصندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، يستبعد احتمال تأثير الموقف الدنماركي على مصير "السيل الشمالي-2"، قائلا: "قد وضعت "غازبروم" مسارا بديلا للالتفاف على المياه الإقليمية الدنماركية، وسيزداد طول الخط بنحو عشرة كيلومترات فقط".

ويعتبر، أن موقف كوبنهاغن يعكس المعايير المزدوجة التي تتعامل بها، إذ سبق لها أن وافقت على مد "السيل الشمالي-1" عبر المسار ذاته وترفضه للخط الموازي له.

وبدأت واشنطن وبروكسل منذ صيف 2014 بفرض عقوبات على قطاعات كاملة من الاقتصاد الروسي، شملت قيودا على إقراض كبريات شركات الطاقة الروسية وحظر تزويدها بتكنولوجيا استخراج النفط في منطقة القطب الشمالي والنفط الصخري والحفر على أعماق كبيرة.

وأدى تصاعد الخلافات بين روسيا والاتحاد الأوروبي آنذاك إلى تعثر مشروع "السيل الجنوبي" لنقل الغاز الروسي إلى ميناء فارنا البلغاري، لتستبدله موسكو بـ"السيل التركي".
ومع ذلك، جاء عزوف الغرب عن فرض أي قيود على استيراد موارد الطاقة الروسية، مؤشرا على بقاء هذا القطاع حيويا في علاقاته مع روسيا وعدم تأثره بالمتغيرات السياسية، وفق ما رآه محللون اقتصاديون.

المساهمون