عيد مصر.. عائلات في السجون

17 يوليو 2015
أسر تعاني اعتقال أكثر من شخص منها (مواقع التواصل)
+ الخط -

رغم أنه لا يوجد حصر واضح معلن، لعدد العائلات التي اعتقل أكثر من فرد من أفرادها، إلا أن العديد من الروايات تشير إلى أن عدد هؤلاء ليس قليلا، ما يجعل معاناة هذه الأسر مركبة، خصوصا أن بعضها يعاني الشتات في ظل احتجاز ذويهم في سجون مختلفة وبعضها متباعدة.

إحساس بالقهر

فاطمة محمد، غيّب الحبس عنها زوجها واثنين من أولادها القصّر.. الزوج طه يعمل كهربائيا، والابن "مصعب" منقول للصف الثاني الثانوي بالأزهر، أما الابن "القسام" فهو بالصف الثالث بالثانوي العام "علمي"، وتقول والدته: "مش عارفه هيعمل إيه؟".

وتتذكر فاطمة ليالي العيد قائلة: "كنا في العيد بعد ما أفرش البيت وأرتبه، كان مصعب لا ينام ويستمر في تزيين البيت من الداخل والخارج، وفي العيد الماضي اشترى إخوتهم الزينة ولكن كتبوا بها أسماء والدهم وشقيقيهم مع كلمة (عيد سجين)"، وبتلقائية تقول فاطمة: "إحساس القهر ليس في العيد فقط.. أصبح هذا الإحساس مسيطراً علينا دائما، وغياب طه زوجي يؤثر فيّ بشكل كبير.. أشعر أن روحي مش معايا من غيره، زي ما يكون جردل ميه مثلجة اندلق على نافوخي.. قبل إلقاء القبض عليه لم أكن أخرج لشراء أي شيء، وكان هو الذي يحضر كل شيء.. وفجأة وجدت نفسي بره البيت ومسؤولة عن كل شيء.. أولادي المحبوسين كان عندي أمل يبقوا معانا في العيد، أما أولادي الباقيين فأحاول أفرحهم خاصة البنات، لأنهم بيحبوا أبوهم جدا وكان بيخرجهم ويروح يعيد على أخواته وهما معاه".

وتمضي فاطمة لتقول: "العيد اللي فات كنا في مناحة.. مريم ابنتي عندما سمعت التكبير انهارت، وعندما رأيتها لم أستطع أن أتمالك دموعي.. رودينا في أولى ابتدائي، قبل أي مناسبة تقول لي بالله عليكي يا ماما ما تعيطيش علشان خاطري.. بس غصب عني والله.. للأسف صعبان علي أني لا أشعر بحلاوة رمضان، للعام الثاني يمر الشهر "وطه" والأولاد ليسوا بيننا، ولكن دائما أقول الحمد لله على كل شيء".

اقرأ أيضا: قضبان مصر تُحاصر كعك العيد



أبي وأخي !

أما سلسبيل الحلواني، فقد ألقى زوار الفجر القبض، منذ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، على والدها الدكتور عاشور الحلواني (طبيب قلب وباطنة ويبلغ 54 عاما)، وشقيقها أحمد عاشور الحلواني (حاصل على بكالوريوس كلية التجارة إنجليزي وعمره 23 سنة)، بتهمة التخابر مع النرويج إلى جانب اتهامات أخرى.


تقول "سلسبيل": لو كان أبي وشقيقي موجودين لكنا غالبا كأي أسرة عادية.. نشتري لبس العيد وكعك العيد ومتطلباته المعروفة، التي استبدلناها بالتجهيز لزيارتهما والانتظار بالساعات أمام السجن لنطمئن عليهما"، وتتذكر قائلة: "أحمد وأخواتي كانوا ليلة العيد يتجمعون مع الشباب ويزينون الساحة في الخلاء لاستقبال الناس في صلاة العيد.. ويوم الوقفة كان بابا يجمعنا لنردد تكبيرات العيد بعد صلاة العشاء.. ويوم العيد كان بابا يوقظنا الفجر ويصلي بنا وبعدها نخرج مع بابا للخلاء لنؤدي صلاة العيد.. ونعود بعد الصلاة لنتناول إفطارنا وبابا يقول لنا "كل سنة وانتو طيبين"، وكان يوزع علينا العيدية مهما كبرنا، وكذلك أحمد كان يعطينا العيدية؛ وبعدها نخرج ونقضي طوال اليوم في زيارات لأقاربنا لنعيد عليهم، وغالبا كان الجزء الأول من اليوم لأقارب بابا وهم جدي وأعمامي، ولكن هذا العيد لن نرى أعمامي لأنهم جميعهم مطاردون؛ والجزء الثاني من اليوم لأقارب ماما، وكنا نقضي اليوم الثاني مع بعضنا أو نسافر لأي مكان لأننا كنا نستغل فرصة العيد كي نتجمع مع أبي أكبر وقت ممكن، لأن طبيعة عمله لم تكن تترك لنا مساحة وقت كبيرة معه".

وتضيف سلسبيل: "إحساسنا حاليا هو الهرب.. نهرب من مجرد فكرة إن هناك عيد (عشان منتوجعش).. ولا نفعل أي شيء من طقوس العيد سواء شراء لبس جديد أو كحك أو خلافه".

وعن الزيارات في السجن، تقول سلسبيل: "بابا وأحمد بيحاولوا يدونا القوة والأمل في كل زيارة، بس مش عارفة هيفضلوا بالتظاهر ده في العيد كمان ولا لأ؟.. أتمنى فقط أن يحضرا يوم العيد فقط بأي طريقة، لنشعر أننا أسرة طبيعية مثل باقي الأسر.. نفسي أقبّل يد بابا ليلة العيد وأقول له كل سنة وانت معانا.. نفسي أخونا الكبير يهزر معانا كعادته".

اقرأ أيضا: عيدٌ بين القبور وفي الزنازين ووسط الركام

الأب وأولاده

فاطمة الزهراء عيد دحروج، غيبوا عنها ثلاثة: الأب عيد دحروج بسجن العقرب ومحكوم عليه بالمؤبد، فيما عُرف بقضية التخابر مع حماس، وأخواها الدكتور عبد الرحمن عيد دحروج بسجن برج العرب ومحكوم عليه بالحبس عامين بتهمة الانضمام لجماعة محظورة، وصلاح الدين عيد دحروج بسجن وادي النطرون ومحكوم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة الانضمام لجماعة محظورة.

وتقول فاطمة: "بابا وعبد الرحمن اعتقلا في يوم واحد منذ سنة وشهرين، ثم صلاح الدين منذ سنة، وعندما قبضوا عليه كان أقل من 18 سنة، وبمجرد أن أكمل سن الثامنة عشرة تحول لمحكمة عسكرية، أصدرت حكمها قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من عمره".

وتضيف: "أنا متزوجة وكان بابا وإخوتي يزورونني أول يوم العيد بعد الصلاة ويعيدوا عليّ وعلى أولادي، وطبعا بيجيبوا لي حاجة العيد مثل كل سنة (الكعك، البسكوت البيتي فور، الشكولاتة)، وفي اليوم الثاني نتجمع في بيت بابا ونقضي اليوم كله مع بعض ونفطر ونتغدى ونتعشى مع بعض.
غياب بابا وإخواتي مؤثر في كل العائلة، لأن أول يوم كان مخصصا لزيارة الأرحام، البعيد والأقارب، عماتي وأعمامي وخالتي وأولاد أعمامي وأعمام والدي.. هذا العيد هو الثالث الذي تعيّده والدتي وحدها.. والدي في الحبس الانفرادي بالعقرب وحالته الصحية خطيرة ولدية كلية شبه متوقفة وبدأت قدمه تتورم، وكان من المفترض إجراء عملية استئصال كلية منذ شهر مارس، وأخباره مقطوعة عنّا منذ شهرين والزيارات ممنوعة، بجانب التضييقات في سجن العقرب.. والأكل كانت ماما تاخذ معها وجبة واحدة ولو جاع يشتري من الكانتين، والكانتين حالياً مقفول.. لكن الأهم أننا نفتقد حضنه ونفتقد اللمة.. وحشتنا الضحكة مع بعض.. بابا عنده 66 سنة، وربنا رزقه بحفيدين وهو بالمعتقل لم يشاهدهما.. ابني والله يدعو على السيسي يموت لكي ينزل يلعب مع جدو".
دلالات