عيد فصح مجيد

عيد فصح مجيد

20 ابريل 2014
+ الخط -

القيامة في فلسطين... فعل مقاومة   

يدرك العقل الصهيوني جيّداً أنّ استمرار كيانه، جاثماً فوق الأراضي الفلسطينية، سيكون مستحيلاً من دون بقاء المؤسسات الإسرائيلية مستنفرةً لمتابعة تطبيق كافة تعويذات الاحتلال. ويظهر التواطؤ الغربي "المسيحي"، الذي يداني حدّ التكالُب، بأبشع صوره، في المناسبات الدينية للفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين. وهذا العام، يواصل هذا العالم "المسيحي" نفسه، كما في كل عام منذ نكبة فلسطين، التي يتحمل جزءاً كبيراً من مسؤوليتها، مشاهدة ما جنت يداه، بخبث ورياء.

تشاهد عواصم الغرب منْع الفلسطينيين من الوصول إلى كنيسة القيامة لإحياء مراسم "جمعة الآلام"، وللاحتفال بـ"سبت النور" ثم بـ"أحد القيامة"، فتطبل الآذان بضرورة تحقيق "السلام العادل". تشاهد البلطجة الإسرائيلية وهي تمنع بذُلٍّ، المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام، روبرت سري، من الوصول إلى كنيسة القيامة، فتدفن رأسها في الرمال وتدّعي أنها لم ترَ ولم تسمع، وتصدر أمنياتها للفلسطينيين بأن ينعموا بأعياد هانئة. هو تخاذُل غربي قد تكون "فائدته" الوحيدة أنه نزع الأوهام عند الفلسطينيين بإمكانية أن يدعمهم أحد ما في هذا العالم، و"حسنته" أنه يؤكّد المؤكَّد، أي أنّ تحرير فلسطين مهمّة فلسطينية ــ فلسطينية.

بهذه الروحية، بات الفلسطينيون، في الداخل المحتل منذ عام 1948، يفهمون لماذا تصرّ المؤسسة الصهيونية على إغرائهم بـ"فوائد" التجنُّد في جيش الاحتلال، ومحاولة إقناعهم بأنهم "ليسوا عرباً". ومن هذه الزاوية، استوعب مسيحيو الضفة وغزة أنّ مشكلتهم ليست سوى مع هذا العقل الصهيوني، ومَن يدعمه في العالم من دول ومؤسسات ورأي عام وإعلام.

ولأن العقل الصهيوني يدرك جيداً أيضاً أن حرية العبادة في فلسطين هي مكوِّن رئيسي من حرية شعبها عموماً، يصبح مفهوماً تفنُّنُ السياسة الإسرائيلية في منح تصاريح لعدد من أفراد العائلة الواحدة للوصول إلى كنيسة القيامة في القدس المحتلة هذه الأيام، وحرمان عدداً آخر من أفراد العائلة، بهدف إفساد فرحة العائلة بالعيد، وما ذلك سوى عيّنة عن عقل لا يبحث سوى عن إقناع أصحاب الأرض بلا جدوى البقاء فيها، وضرورة مغادرتها. من هنا، فإنّ الإصرار على الاحتفال بعيد القيامة تحديداً، بات أشبه بفعل مقاومة، ذلك أن المؤمنين المسيحيين، يعرفون أنه في اللاهوت المسيحي، كلّ طقس كنسي هو مجرد رمز لمفهوم فلسفي عميق. هكذا، فإنّ طقوس القيامة، قيامة المسيح، هي رمز للانبعاث الحتمي للأمل من بعد الانكسار. هو مفهوم لا ينحصر بالمسيحيين، بل يخصّ كل فرد يؤمن بالحق أولاً، وبحتمية أن يصحّ الصحيح ثانياً، شرط السعي إلى أن يصحّ هذا الصحيح.

كلّما زادت محاولات الاحتلال تنغيص أعياد الفصح، زاد الأمل بأن القيامة ستحصل، وأن الاحتفال بالأعياد، جميع الأعياد، في القدس من دون أن تكون محتلة، سيحصل في النهاية في الزمن العربي الجديد.

لفلسطين ومسيحييها كل التهاني بعيد القيامة... رغم أنف الاحتلال، ففلسطين ستقوم... حقاً ستقوم.