عيد العمال العرب عاد... بالويلات

عيد العمال العرب عاد... بالويلات

30 ابريل 2018
عامل فلسطيني مُسنّ لا ضمان له (فرانس برس)
+ الخط -


قرابة 7 سنوات والعمال في الدول العربية يتقلبون في مشكلات معقدة. ففي ديسمبر/ كانون الأول 2010، تفجرت قضية بوعزيزي العاطل عن العمل في تونس، لتكون قضيته وقود الثورة التونسية، ومن بعدها الثورات العربية، ولا تزال الحركة العمالية بتونس تواجه الكثير من المشكلات بسبب برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تطبقه مع صندوق النقد الدولي، والذي أدى إلى صعوبات معيشية كبيرة، وعدم خلق فرص عمل جديدة.

وقبل ذلك، عاش عمال مصر حالاً من التذمر في عدد من المؤسسات، وكانت لهم مساهماتهم في نجاح ثورة 25 يناير، إلا أنهم يعانون الآن من بطش حكومات الانقلاب العسكري الذي وقع في يوليو 2013، حيث يحاكم بعضهم، مثل عمال ترسانة الإسكندرية أمام محكمة عسكرية، كما تتعرض قيادات النقابات المستقلة للمحاكمة بتهمة التظاهر من دون ترخيص.

وتعد مشكلات العمال في مصر وتونس هينة عند مقارنتها بمشكلات عمال البلدان العربية التي تعاني صراعات مسلحة، مثل ليبيا واليمن وسورية والعراق، حيث تزهق الأرواح، وتهدم البيوت، وتهجر العائلات والأسر، والسعيد من ينجو من رحلة الموت عبر الهجرة غير الشرعية ليصل إلى أحد الشواطئ الأوروبية، ليواجه تحديات أكبر، تتعلق بالهوية واللغة والغياب القسري عن الأوطان.

عمال الخليج وغيرهم في الدول العربية النفطية، طاولهم الهمّ الاقتصادي والاجتماعي، حيث الإجراءات التقشفية، التي تتبناها حكومات الخليج في ظل اتباع كامل لروشتة صندوق النقد الدولي، التي توصي بتخفيض عدد العاملين بالقطاع الحكومي، وتخفيض رواتبهم.
كما أن دخول هؤلاء العمال الخليجيين أصبحت أقلّ من حيث قوتها الشرائية، في ظل ارتفاع معدلات التضخم، فالتوجهات التقشفية الجديدة أظهرت حجم الفقر في بعض دول الخليج، وعلى رأسها السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، حيث بينت إحصاءات وزارة المالية أن نحو 11.9 مليون سعودي، 63% من إجمالي السكان، تقدموا للحصول على دعم "حساب المواطن" وهو صندوق أنشئ لدعم الطبقات الفقيرة لمواجهة المشكلات الناجمة عن تطبيق الإجراءات الاقتصادية الجديدة.

أما عن العمالة العربية المهاجرة إلى دول الخليج، فتواجه مشكلات أرغمت نسبة ليست قليلة منهم على معايشة أوضاع اجتماعية صعبة، بسبب ارتفاع رسوم الإقامة وكذلك أعباء المعيشة، مما جعل هؤلاء العمال بنسبة كبيرة يرحّلون زوجاتهم وأبناءهم إلى أوطانهم الأصلية، ليعيشوا بمفردهم حتى يتمكنوا من توفير مدخرات نظير غربتهم في ظل الأعباء المعيشية الصعبة في الخليج الآن.

ويطارد العمالة العربية المهاجرة للخليج شبحُ توطين الوظائف، فضلا عن تبني دول الخليج ترحيل جزء من العمالة الأجنبية، فالسعودية مثلا تخطط لترحيل نصف مليون عامل، بخلاف العمال الذين يقيمون بصورة غير شرعية في البلاد.

مناخ اقتصادي سلبي

اجتمعت على الدول العربية خلال السنوات السبع الأخيرة مجموعة من العوامل الاقتصادية السلبية، أهمها فشل أو غياب المشاريع التنموية، ونجاح الثورات المضادة وتآمر دول عربية على ثورات الربيع، ثم أزمة انهيار أسعار النفط.
وفي هذه الأجواء، لا يجد العمال العرب ما يساعدهم على توفير حياة كريمة، فهم ما بين تحديات تخفيض الأجور، أو قلة فرص العمل، أو العمل تحت ظروف صعبة وغير مواتية، ثم تحدي برامج الخصخصة وإعادة هيكلة المشاريع العامة، التي تؤدي إلى إحالة العاملين إلى المعاش المبكر، أو وقف التعيينات بالمؤسسات الحكومية، وكذلك التعديلات التي تطالب الحكومات العربية بقوانين العمل لتفتح الباب لاستقبال العمالة الأجنبية، في بلدان تعاني من كثافة سكانية وبطالة مرتفعة مثل مصر.

البطالة العربية

الأرقام الرسمية المنشورة لا تعبّر عن واقع البطالة في البلدان العربية، فضلا عن بيئة العمل التي يعانيها العمال العرب، من غياب الأجر العادل أو بيئة العمل اللائق، وقد يكون الحديث عن البطالة نوعا من الترف في اليمن مثلا التي تعاني مجاعات ونزوحا وهجرة خارجية في ظل الحرب الدائرة هناك، ونفس الحال ينطبق على العراق وليبيا وسورية، فهل كان العمال في "دوما" السورية معنيين بالبحث عن عمل، أم بالحفاظ على أرواحهم، وأرواح أسرهم.

وإذا ما قبلنا الأرقام التي تنشر بالتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2017، فإننا أمام معدل بطالة وصل بنهاية 2016، إلى 14.9% من قوة العمل، أي أن هناك 21.2 مليون عاطل عربي، وبطبيعة الحال فدول النزاعات المسلحة هي الأكبر من حيث نسب البطالة؛ ففي اليمن نسبة البطالة 70%، وسورية 50%، وفلسطين 26.9%، ولم تتوفر بيانات عن ليبيا.

وفي تونس والأردن نسبة البطالة عند 15.5%، ومصر 13.2%، والجزائر 10.4%. والجانب الأكثر خطورة في قضية البطالة بالبلدان العربية، هو بطالة الشباب، حيث أشار نفس التقرير إلى أن بطالة الشباب تصل إلى نسبة 26%، ترتفع إلى 30% في دول شمال أفريقيا.

وعلى رغم أن هذه الأعداد من العاطلين مزعجة، إلا أننا نشعر بأنها غير معبرة عن الواقع، الذي يعكس وجود أعداد أكبر من العاطلين، والسبب في ذلك تلك المنهجية التي تقاس بها البطالة في الكثير من الدول، والتي تعتبر من يعمل ساعة في الأسبوع خارج نطاق العاطلين، كما يصنف العاملين في قطاع الزراعة على أنهم من غير العاطلين، رغم أنهم يعملون لأيام محدودة في العام، وتصنيفهم الصحيح هو أنهم عمالة موسمية.
منظمة ميتة

وسط هذه الأجواء شديدة السلبية، لا تسمع لمنظمة العمل العربية صوتا، فلا هي تعلن عن برامج لحماية هؤلاء العمال المشردين في دول النزاعات المسلحة، ولا تساند من تتهددهم الإحالة إلى المعاش المبكر، أو زيادة العاطلين عن العمل.

وهذه نتيجة طبيعية في منظمة تمثل فيها الحكومات، ويغيب عنها التمثيل العمالي مكوناً للمجتمع المدني، فمهمة منظمة العمل العربية ليست مجرد إصدار تقارير إحصائية دورية، ومجموعة من المجلات الدورية، التي تدون فيها مجموعة من المقالات لمتخصصين.

لقد تحركت منظمة العمل الدولية ووضعت مصر في القائمة السوداء بسبب ممارساتها ضد العمال وممثلي النقابات المستقلة في منتصف 2017، بينما المنظمة العربية، لا يسمع لها صوتا.

ولا يستغرب أداء منظمة العمل العربية، فهي أخت شقيقاتها من المنظمات والكيانات العربية الأخرى، ليست أكثر من مجرد أسماء ليس لها منها نصيب وموظفين ممثلين حكوماتهم، لا تعنيهم القضايا، بل الولاء للنظم الديكتاتورية.

ختاماً، قضية العمال ليست قضية أيديولوجية تحسب على توجهات النظم الاقتصادية والسياسية المختلفة، لكنها في عالمنا العربي قضية إنسانية لا تقبل المتاجرة، وقد عبر عن الواقع المؤلم لقطاع ليس بالقليل من العمال العرب فضيلة العالم الجليل الشيخ محمد الغزالي في كتابة "الإسلام وأوضاعنا الاقتصادية" بقوله: "غير أن هناك رجالًا يأخذون للعيش أسبابه، ويطرقون للعمل أبوابه، ويحرق الواحد منهم دمه وأعصابه، ثم لا يجدون شيئًا بعد هذا الجهد المضني، أو يجدون شيئًا يمسك الرمق، ويسد الحاجات الملحة ثم يجف المعين، وتسود الدنيا في وجوههم، وتضطرم في نفوسهم ثورة مكتومة على المجتمع والدولة ويسوء ظنهم في قيمة العمل والسعي".

المساهمون