Skip to main content
عودة ظاهرة استهداف العلماء في العراق
عثمان المختار
الشرطة لم تتوصل للذين يقفون وراء الاغتيالات (فرانس برس)

سجّلت منظمات حقوقية عراقية عودة ظاهرة اغتيال الكفاءات العلمية في البلاد منذ مطلع العام الحالي، وما زالت في تصاعد مستمر في واحدة من أسوأ الكوابيس التي مر بها العراق عامي 2003 و2004 التي أعقبت الاحتلال الأميركي للبلاد، الأمر الذي أكّدته مصادر أمنية في وزارة الداخلية في بغداد، وسط اتهامات مباشرة للمليشيات بالوقوف وراء الاغتيالات السياسية والطائفية للعلماء العراقيين.

وذكرت ثلاث منظمات عراقية في بيانات لها، أن العشرات من الكفاءات العراقية قُتلوا في بغداد ومدن أخرى من البلاد منذ مطلع العام الحالي معظمهم أساتذة جامعات وخبراء ومستشارين في قطاعات مختلفة من الدولة العراقية قبل وبعد الاحتلال.

وقال رئيس منظمة "عون" العراقية لحقوق الإنسان، حسين الوكيل، لـ"العربي الجديد"، إن المنظمة سجّلت اغتيال 53 عالماً عراقياً واختفاء 27 آخرين لم يُعرف مصيرهم حتى الآن منذ مطلع العام الحالي، معظمهم في بغداد وديالى وصلاح الدين ومدن جنوب العراق كالبصرة وبابل.

وأضاف الوكيل أن "الكفاءات العراقية التي تمت تصفيتها جميعها من حَمَلة شهادة الدكتوراه، وهؤلاء يعملون في الجامعات العراقية والمؤسسات الأخرى، وهم عادوا إلى العراق بعدما تركوا البلاد عقب الاحتلال ضمن برنامج أطلقه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لعودة الكفاءات مقابل منحهم منازل وسيارة ومرتباً بدرجة مدير عام وهو البرنامج نفسه الذي أثنت عليه الأمم المتحدة ودعمته بشدة".

وأوضح أن "آخر الكفاءات العراقية التي تم اغتيالها هو الدكتور وليم بطرس شابا، أخصائي أمراض الدم والأمراض السرطانية، ويبلغ من العمر 69 عاماً، أعقبه اغتيال نائب نقيب المهندسين العراقيين عبدالله الجبوري، وهو واحد من ثلاثة علماء عرب حصلوا على اعتماد دولي في إنكلترا بهندسة النفط وحلول التنقيب"، مؤكداً أن "عمليات الاغتيال تلك تجري بشكل مدروس وانتقاء للشخصيات المؤثرة التي كانت تمثل بصيص الأمل الوحيد لإعادة وضع الوزارات العراقية على الطريق الصحيح".

ورجّح "تورط مليشيات الحشد الشعبي في الاغتيالات لدوافع طائفية ضيقة، فضلاً عن عصابات الجريمة المنظمة المدفوعة من قبل شركات ومسؤولين فاسدين للتخلص من كل من يقف بطريقهم في العراق"، متهماً كذلك من وصفهم بـ"الظلاميين من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية بقتل ستة في الموصل وأربعة في صلاح الدين من المجموع الإجمالي، كما لا يزال عالمان، أحدهما طبيب والآخر مستشار سابق في هيئة الطاقة العراقية، محتجزين عند التنظيم في إحدى مدن نينوى التي تخضع لسيطرته".

اقرأ أيضاً: العنف والقتل الطائفي يهددان بغداد من جديد

في السياق ذاته، قال ضابط رفيع في وزارة الداخلية العراقية، فضّل عدم ذكر اسمه، إن "عمليات اغتيال الكفاءات العراقية ذات طابع إجرامي وليس إرهابي وقد تحمل أجندة سياسية".

وأضاف الضابط، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الشرطة لم تتوصل في تحقيقاتها إلى الجهة المتورطة بسلسلة الاغتيالات تلك، لكن المؤكد أن طريقة الاغتيال واحدة، إما بواسطة عبوات لاصقة أو مسدسات كاتمة للصوت"، كاشفاً عن تسجيل عدد من تلك الجرائم "نُفذت بسيارات تحمل لوحات تسجيل حكومية".

من جهته، كشف رئيس قسم الهندسة الكيماوية في هيئة التصنيع العسكري العراقية السابقة محمد خيرالله، عن مغادرته البلاد قبل أيام بسبب مخاوف من اغتياله.

وقال خيرالله، لـ"العربي الجديد": "لقد عدت للعراق بمفردي وتركت عائلتي في الدنمارك وحاولت أن أصلح شيئاً من الفوضى بعد تسلمي منصباً في وزارة التعليم العراقية، لكن للأسف عجزت وتعبت من كثرة الكلام حتى وجدت ورقة كتبت فيها عبارة باللهجة العراقية "دكتور روح انفذ بجلدك يريدون يقتلوك"، وتحتها عبارة "شخص محب".

أما الدكتور فريد إسماعيل عبد الأحد، شقيق عالم الأحياء العراقي محمد إسماعيل الذي اغتيل أمام داره غرب بغداد في فبراير/ شباط من العام الحالي، فقال إن "الكثير من عمليات الاغتيال نفذتها أحزاب إسلامية تحكم البلاد الآن".

وأوضح عبد الأحد أن "سبب موجة الاغتيالات الأخيرة هو إحساس تلك الأحزاب أنه بمجرد أن يسلّط الإعلام الضوء على تلك الكفاءات المتبقية في العراق فإنهم سيخسرون مواقعهم بأقرب انتخابات برلمانية في حال ترشح أحد من تلك الكفاءات، وخصوصاً أن أحد الأحزاب العلمانية تحركت تجاه تلك الشخصيات من أجل إقناعها بالترشح ودخول السياسة".

وسجلت دائرة الجوازات العراقية مغادرة أكثر من 400 عالم عراقي في مجالات عدة البلاد خلال الأشهر الستة الماضية، معظمهم هاجر إلى أوروبا عبر مكاتب الهجرة التابعة للأمم المتحدة في إسطنبول وأبو ظبي وعمان.

وكتب اختصاصي الأعصاب والتخدير في وزارة الصحة، الدكتور رياض الشيخ، قبيل مغادرته البلاد على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي: "كيف يمكن لأحدنا العمل مع مدير مؤسسة علمية طبية ضخمة يوصي مريضاً وجده في رواق المستشفى أن يذهب إلى رجل دين يقرأ عليه بعض الطلاسم حتى يتعافى من مرض الصدفيّة الذي فيه؟ لا أدري من جعله مديراً وكيف يمكن أن نصلح واقع العراق العلمي والطبي بوجود حمير مثل هؤلاء".

اقرأ أيضاً: بغداد: أحكام إعدام وجثث مجهولة الهوية واغتيالات جماعية