عودة تأميم الممتلكات الخاصة في مصر يفزع المستثمرين

عودة التأميم إلى مصر يفزع المستثمرين... 3.5 مليارات دولار حجم الممتلكات المصادرة

13 سبتمبر 2018
الاستيلاء على ممتلكات المستثمرين يهدّد بهروب رؤوس الأموال (Getty)
+ الخط -
واصلت السلطات في مصر مطاردتها رؤوسَ أموال مواطنين وشركات مملوكة لمعارضين لها سياسيا، ما يُهدد بهروب جزء من الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى خارج البلاد، واللافت هذه المرة هو لجوء الحكومة إلى وسيلة تأميم ممتلكات المصريين بعد غياب منذ أكثر من نصف قرن رغم مخالفتها الدستور والقانون.
وتقدر الأموال المتحفظ عليها والتي تمت مصادرتها لأعضاء بجماعة الإخوان وغيرهم بـ61 مليار جنيه (نحو 3.5 مليارات دولار)، بحسب تصريحات مصادر بلجنة التحفظ والحصر والتصرف في أموال الجماعة، وسط توقعات باستمرار حملات الدولة للاستيلاء على ممتلكات واستثمارات أخرى مملوكة لمعارضين سياسيين بحسب مصادر لـ"العربي الجديد".

وتشمل القائمة التي أُعلن عنها، أول من أمس، وتعدت 3 آلاف فرد وشركة، شخصيات لا تنتمي للإخوان مثل رجل الأعمال المعروف صفوان ثابت مالك شركة جهينة وعمرو الشنيطي صاحب مكتبات ألف وأصحاب شركات معروفة مثل دلتا وراديو شاك وموبايل شوب والصحفيين جمال ومحمود سلطان المالكين لجريدة "المصريون" وغيرهم.
وتضمنت قائمة الممتلكات المصادرة شركات في مختلف القطاعات العقارية والسياحية والتجارية بالإضافة إلى مدارس ومستشفيات خاصة وشركات طباعة ونشر، ما فاقم مخاوف بعض المستثمرين من ضخ أموالهم في هذه القطاعات ولا سيما قطاع العقارات الذي يعد من أكثر القطاعات تضرراً من هذه الخطوة.

وقررت اللجنة مصادرة أموال 1589 مواطناً من المنتمين والداعمين لجماعة الإخوان و118 شركة متنوعة النشاط و 1133 جمعية أهلية و104 مدارس و69 مستشفى و33 موقعا إلكترونيا وقناة فضائية.
فزع المستثمرين
وتعد هذه النقلة من قرارات التحفظ فقط على أموال المعارضين السياسيين إلى المصادرة ونقل الممتلكات لصالح خزينة الدولة، عودة إلى عصور التأميم التي تمت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر منذ أكثر من 50 عاماً، ما يتناقض مع اتجاه الدولة نحو الاقتصاد الحر وتشجيع القطاع الخاص، بحسب المحللين.
وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي أشرف دوابة لـ"العربي الجديد" أن تأميم الممتلكات أثار الفزع بين المستثمرين المصريين وسيدفع الكثير منهم إلى تقليل استثماراته داخل البلاد وضخ أمواله إلى الخارج في دول مجاورة أكثر أماناً.
وكشف دوابة عن مخاوف في أوساط رجال الأعمال من معلومات تؤكد أن حملات تأميم ومصادرة الممتلكات الخاصة ستطاول شركات وشخصيات جديدة، ما فاقم القلق من حالة عدم الاستقرار التي يعيشها قطاع الأعمال أصلا.
وبحسب دوابة، فإن هناك بعداً اجتماعياً من عمليات مصادرة أموال المعارضين للنظام حيث ستتبعها تصفية لهذه الشركات وبيعها، ما يؤدي إلى تسريح آلاف العمال بعد التخلص من مؤسساتهم، ما سيطرد آلاف المواطنين مع أسرهم بعد بيع منازلهم بحسب قرار المصادرة، وهو ما يفاقم الأوضاع المعيشية للمصريين. وأوضح أن القرار يشمل شخصيات لا تنتمي للإخوان، ما يزيد المخاوف. وأشار دوابة إلى متناقضات عديدة شملها بيان لجنة حصر ومصادرة الأموال والممتلكات، ما يؤكد عدم استنادها إلى أية أدلة في قرارها الأخير.

وأكدت اللجنة في بيانها الصادر، أول من أمس، استخدام أموال الممتلكات المصادرة في تمويل حركة حسم والعمليات الإرهابية في الداخل، ثم تحدثت بشكل متناقض عن تهريب الأموال للخارج من أجل التأثير في سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
رسالة سلبية
وتعاني الأسواق في مصر من رسائل سلبية عديدة أطلقتها الحكومة، أخيراً، في أوساط المستثمرين. وفي هذا الإطار، قال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب لـ"العربي الجديد" إن الحكومة المصرية مطالبة حالياً بتبرير قرار المصادرات الأخيرة، مؤكداً أنه في حالة عدم توافق التبريرات مع الدستور والقانون سيبعث ذلك برسالة سلبية للمستثمرين داخل مصر وخارجها، أما في حالة منطقية وقانونية المبررات فإن الأسواق لن تتأثر.
وأشار عبد المطلب إلى سوابق أثرت سلباً في الاقتصاد في هذا الصدد، منها القبض على رجل الأعمال المعروف صلاح دياب المساهم الأكبر في أسهم جريدة المصري اليوم، ما أدى إلى مخاوف من تأثيرات سلبية في الاستثمارات في هذا الوقت.

وبحسب قرار المصادرة الأخير لأموال الإخوان، فإن من أبرز الشركات التي تم تأميمها شركات تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات ومنها: راديو شاك، دلتا سوفت وير، إس إم إس تكنولوجي كمبيو تك العالمية، إضافة إلى مصانع وشركات المجموعة المصرية للاستثمارات الصناعية (إيجمى) سيراميكا بريما، ماتكس للملابس الجاهزة، دار الطباعة والنشر الإسلامية، ثرى إم للصناعات الهندسية، الأندلس والحجاز للخدمات العقارية والتسويق، أندلسية للفندقة والسياحة، بلو لاجون للفندقة والتسويق العقاري والدعاية والإعلان، بيزنس نيوز للصحافة والنشر، بيزنس ميديا جروب للدعاية والإعلان.
تضرر العقارات
وكان القطاع العقاري الأكثر تضرراً من عمليات المصادرة، إذ شمل القرار عددا كبيرا من الشركات المعروفة في هذا المجال تتوزع في العديد من المناطق المهمة التي تشهد ضخاً كبيرا لرؤوس الأموال في المجال العقاري مثل التجمع الخامس ومدينة 6 أكتوبر والجيزة وغيرها. وما فاقم من مخاوف المستثمرين العقاريين هو تكرار استهداف هذا القطاع أكثر من مرة خلال الفترة الأخيرة.
وقبل عمليات التحفظ الأخيرة، شنت الأجهزة الأمنية حملات مداهمة لشركات عقارية، الشهر الماضي، وتحفظت عليها وعلى حساباتها المصرفية، وأوردت التحريات الأمنية أسماء العديد من الشركات المحلية العقارية والتجارية المعروفة في قضايا المعارضين الأخيرة، ومن بينها شركات: "الأندلس للاستثمار العقاري والمقاولات، وكواترو للاستثمار العقاري، والفرسان إيجيبت للتجارة والتوريدات، وبروفيت 100 للاستثمار العقاري، والعربية للمقاولات والتصميمات الهندسية، وغيرها. واستندت الأجهزة الأمنية إلى اتهامات دون أدلة أو وثائق حسب مصادر، وكبررت ادعاءات منها استخدام العديد من الشركات لتمويل أذرع جديدة تستهدف تنفيذ مخططات جماعة الإخوان لإثارة الفوضى، وضرب العلاقات المصرية - العربية.

وتعد العقارات أبرز القطاعات التي تحرك الاقتصاد المصري، ما يجعل الهجمات الأمنية الأخيرة تهديداً مباشراً لهذا القطاع الحيوي، كما تربك الحملات أكثر من 90 صناعة متعلقة بالعقارات يعمل بها ملايين المصريين.
وانتقد رجال أعمال تضارب الإجراءات الحكومية، إذ إنها تدعي إطلاق حوافز لجذب المستثمرين المحليين والأجانب وفي الوقت نفسه تتخذ إجراءات استثنائية تخيفهم ومنها المصادرة والتحفظ على استثمارات في مختلف القطاعات.
هروب الأموال
وتأتي خطوة مصادرة الممتلكات في ظل هروب متزايد للأموال الساخنة من قبل الأجانب، إذ أظهرت بيانات البنك المركزي، الخميس الماضي، تراجع استثمارات الأجانب في أذون الخزانة الحكومية بالعملة المحلية للشهر الرابع خلال يوليو/ تموز الماضي، بقيمة انخفاض 1.7 مليار دولار مقارنة بشهر يونيو/ حزيران الماضي.
وبحسب بيانات رسمية، تراجعت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة من 23.1 مليار دولار في مارس/ آذار الماضي إلى 15 مليار دولار في يوليو/ تموز الماضي أي انخفضت نحو 8.1 مليارات دولار خلال 4 شهور.

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية عن الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة قوله إن الفترة الماضية شهدت خروج نحو 10 مليارات دولار من مصر. وتبلغ احتياجات مصر التمويلية في موازنة 2018-2019 نحو 714.637 مليار جنيه (الدولار = 17.85 جنيها)، سيتم توفيرها عبر القروض المحلية والخارجية.
تهديد المودعين
وما زاد من فزع المستثمرين قيام وزارة المالية، أخيراً، بالإعلان عن عزمها الكشف عن سرية حسابات المودعين من أجل تحصيل الضرائب، وهو الأمر الذي اعترض عليه البنك المركزي بعد تفاقم مخاوف المستثمرين، فاتجهت الحكومة لتضع يدها في جيوب الأفراد والشركات التي يمتلكها أعضاء بجماعة الإخوان وغيرهم عبر المصادر والتأميم لممتلكات خاصة وبيعها وتحويل أموالها إلى الخزانة العامة.
وبرز خلاف حاد في مصر نهاية الشهر الماضي، بشأن السرية المصرفية، بعدما عارض علناً طارق عامر محافظ البنك المركزي ما صرّح به رئيس مصلحة الضرائب، عماد سامي، من أن المصلحة تقدمت بمقترح لتعديل القانون، بما يسمح لوزير المالية بالكشف على الحسابات المصرفية للشركات والأفراد بهدف الحد من التهرب الضريبي.

وبحسب بيانات رسمية، زادت الإيرادات الضريبية 36% إلى 628 مليار جنيه (35.18 مليار دولار) في 2017 - 2018.