يعود الحديث من جديد عن خلافة رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، بعد مطالبة مجموعة من القيادات المعارضة لبقائه في منصبه بعدم ترشحه من جديد في المؤتمر العام للحركة المتوقع عقده في نهاية العام الحالي. ووقّعت مجموعة الـ"100 قيادي من حركة النهضة" وثيقة تطالب الغنوشي بـ"الإعلان الصريح عن عدم الترشح مجدداً على رأس الحركة في إطار التداول على المناصب"، محذّرين من خطر التمديد. وتأتي هذه الدعوة لتعكس الصراعات الموجودة داخل الحركة قبيل المؤتمر الذي تم تأجيله بسبب أزمة كورونا، والمتوقع عقده نهاية العام الحالي، إذا أتمت لجنتا الإعداد المضموني والإعداد المادي عملهما في الوقت المناسب، وهما لجنتان شُكّلتا في الدورة الـ40 لمجلس شورى الحركة المنعقد في 27 و28 يونيو/حزيران الماضي.
ورد الغنوشي أمس الخميس، قائلاً إنه تسلم رسالة من عدد من قياديي الحركة، تدعوه إلى الإعلان أنه غير معني بالقيادة، مبينا أن "الجيد في الرسالة أن نسيجها اللغوي جيد ومطرد بمفاهيم الديمقراطية والإسلام"، متسائلاً: "هل من لوازم الديمقراطية تغيير القيادات بقطع النظر إن كانوا أصابوا أم لا؟"، مضيفاً أن "هناك خلطاً متعمداً بين مقتضيات مجالين مختلفين، وهما مجال الحزب ومجال الدولة. فتحديد المدة بدورتين معروف في رئاسة الدول الديمقراطية، أما ديمقراطية الأحزاب فالتداول المعروف فيها يتحقق بالتجديد الدوري أو عدمه لقياداتها، عبر عمليات انتخابية دورية نزيهة تبنى على تقويمات موضوعية للأداء، فيجدد للبعض دون حد إذا كان حكم المؤسسات على الأداء إيجابيا، فيدعى أو يعفى إذا كان الحكم على الأداء سلبياً".
الوثيقة حملت عنوان "مستقبل النهضة بين مخاطر التمديد وفرص التداول"
وأكد القيادي في حركة "النهضة"، أحد الموقعين على الوثيقة، زبير الشهودي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن توقيع الأعضاء الـ100 على الوثيقة، يندرج في سياق الاستعداد للمؤتمر المقبل. وأوضح أنّ الوثيقة تطالب رئيس الحركة بأن يعلن صراحة ويلتزم بعدم الترشح لرئاستها، وفقاً للفصل 31 من النظام الأساسي، الذي لا يسمح للغنوشي بتجديد ولايته. وبالتالي فإن الدورة الحالية ستكون الأخيرة له، ولا يجب المساس بالقانون الداخلي تحت أي صياغة أو تنقيح. وبرأي الشهودي، فإن للتداول قيمة هامة، وهناك آثار سلبية لعكسه أو المسّ بالقانون الداخلي، مشيراً إلى أن هناك دعوات لترشّح الغنوشي مجدداً، وهناك قيادات من الحركة دعت حتى إلى تجاوز القانون. ووصف الأمر بـ"غير المقبول"، معتبراً أنه السبب الذي نبّهت إليه القيادات الموقعة على هذه الوثيقة، مع التحذير من مخاطر هذه الأطروحات التي تعتبر أقلية ولكنها موجودة. ودعا الشهودي الغنوشي إلى إنهاء الجدل وإغلاق الباب أمام مثل هذه الأطروحات وإعلان موقفه صراحةً. وشدّد على أنه لا يجب تجاوز القانون كي يكون المؤتمر المقبل مهماً في تونس ومؤثراً، ولا يجب أن يتم الوقوع في أخطاء الآخرين من تجاوز القانون. وقال إن الموقعين على الوثيقة قيادات من الحجم الثقيل ولها مكانتها، مؤكداً أن في تاريخ "النهضة" يوجد دائماً من يقودها، ولم يحصل فراغ في قيادتها طيلة الأعوام الماضية ومنذ تأسيسها. واعتبر أن هناك شخصيات وازنة داخل حركة "النهضة"، ولها تجربة في الحكم، بالتالي فإن الخبرة موجودة والحركة تُمارس الحكم منذ الثورة (2010)، وتلك هي سنّة الحياة، فالأحزاب السياسية يجب أن تجدد نفسها.
ورأى الشهودي أنه يجب على الأحزاب أن تحترم نفسها، وأن أهم ما يميز "النهضة" هو قدرتها على الجمع بين الفكر الإسلامي والتماهي مع الديمقراطية، وأهم ما يعبّر عن ذلك هو التداول في السلطة. أما خلاف ذلك فيؤدي إلى التشكيك في الفكر الذي بُنيت عليه الحركة وإلى ضربٍ لمصداقيتها، لذلك تلحّ القيادات الداعية لهذه الوثيقة على الغنوشي بالالتزام بعدم الترشح. وكشف أن الوثيقة حملت عنوان "مستقبل النهضة بين مخاطر التمديد وفرص التداول"، معتبراً أن تداول السلطة يعزز من مصداقية الحركة ومن شخصية رئيس الحركة ورصيده التاريخي.
وأضاف الشهودي أن الغنوشي من أبرز الشخصيات في الحركة، وسبق له أن عبّر في كتاباته عن مناهضته للاستبداد والتمديد، فلا يمكن مناقضة ذلك، مؤكداً أن دعوة القياديين الـ100 سياسية ووردت ضمن نص متوازن، ووجهات نظر يمكن مناقشتها، وهذا الطلب هو الحد الأدنى على أمل أن يتفاعل رئيس الحركة مع مطلبهم ويناقشهم في المسألة.
وقد وقّع معارضون للغنوشي على الوثيقة، ومنهم عبد اللطيف المكّي وسمير ديلو وعلي العريّض، الذين طالبوا باحترام القانون والنظام الداخلي للحركة، داعين إلى إفساح المجال أمام آخرين في الحركة لتحمّل المسؤولية، رغم بروز جناح داع لتعديل القانون الداخلي للحركة. مع العلم أن الفصل 31 من نظام "النهضة"، ينصّ على أنه لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحزب لأكثر من دورتين متتاليتين.
وذكرت الوثيقة أن التمديد ينسف المصداقية الأخلاقية للحركة، فتغيير الدساتير والقوانين لتمكين الرؤساء والحكام من مواصلة البقاء في السلطة، هو فعل من طبائع الاستبداد والحكم الفردي. ورأت أن التمديد يسمح بإضعاف الحركة ويسهم في ذلك ويفقد الثقة فيها.
ورداً على الوثيقة، اعتبر رئيس كتلة حركة "النهضة"، نور الدين البحيري، في حوار مع قناة "نسمة"، أن تقديم عريضة للمطالبة بعدم ترشح الغنوشي للانتخابات خلال المؤتمر المقبل، علامة صحّية تعكس الطابع الديمقراطي الذي تعيشه الحركة. وشدّد على أن "النهضة" حركة مؤسسات وحركة ديمقراطية، عكس بعض الأحزاب الأخرى، التي تطرد منخرطيها وقيادييها لمجرد تصريح لم يعجب القيادة.
الغنوشي سبق له أن عبّر في كتاباته عن مناهضته للاستبداد والتمديد، فلا يمكن مناقضة ذلك
وأضاف البحيري أنه تم تركيز اللجنة المادية واللجنة المضمونية بعد انتخابات نزيهة وشفافة طبقاً للقانون، وهما تقومان الآن بالإعداد للمؤتمر وقراراتهما ملزمة للجميع، وسينعقد المؤتمر في موعده المبرمج له نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل. وذكر أن المؤتمر سيد نفسه، ولا يخضع للضغوط والمزايدات، ولكل فرد في "النهضة" الحق في التعبير عن رأيه من دون ضغوط، ومن حق كل طرف الترشح والمؤتمر هو الذي يقرر.
في المقابل، استهجن عضو المكتب التنفيذي في "النهضة" خليل البرعومي "جمع التواقيع في عريضة (الوثيقة) ترفض تولي الغنوشي مجدداً رئاسة الحركة". وقال في تصريح لموقع "الصباح نيوز" إن"100 شخص أو أكثر، لا يمكنهم تحديد مصير الآلاف من المنخرطين في الحركة". واعتبر أن الوثيقة بمثابة ورقة ضغط و"لا مشكلة في التداول على المواقع، لكن ذلك يكون بالانتخاب"، مضيفاً أن هناك لجنتي إعداد مادي ومضموني تنكبّان على الإعداد للمؤتمر.
وأضاف البرعومي أن "ما جاء في العريضة فكرة مطروحة داخل مؤسسات الحركة، ولكن أن يصدر في عريضة مضى عليها عدد من قيادات الحركة، فهذا ضغط غير مقبول وفيه وصاية على لجنة الإعداد وللمؤتمر نفسه والمؤتمرين". ولفت إلى أن الحركة في حوار متواصل مع الموقعين على الوثيقة، مضيفاً أن "المشاكل المطروحة اليوم تتمثل في رؤية الحزب السياسية وتطويره، ليكون عصرياً وأكثر قرباً من المواطن. هذه هي القضية الحقيقية، وبناء عليها ننظر في مسألة التواقيع، ولكن أن تصبح معركة التواقيع، هي الأصل مع إلغاء المحتوى الفكري والسياسي، فهذا إشكال".