ولأن الأم فقيرة، فقد تجنّد الجميع للإنقاذ، وبحث التونسيون في جيوبهم عما يمكن أن يسهم في تحقيق ذلك. وفي يوم الاستقلال (العيد الوطني) أرجأ التونسيون احتفالهم ونظمواً يوماً لدعم جهود وزارة الصحة وحشد ما يمكن لشراء ما يلزم. وخرج رئيس الحكومة التونسية، إلياس الفخفاخ، ليلة الاحد، يطمئن الغلابة على قوتهم ودوائهم، في خطاب انتصر للطبقات الضعيفة بوضوح، بل وكشر عن أنيابه لبعض رؤوس الأموال التي اختارت مكان المتفرج الذي لا يعنيه ما يحدث.
وطالب الفخفاخ، في خطابه، المؤسسات الاقتصادية التي تتمتع بإمكانات وصفها بالكبيرة (أصحاب الثروات) بمساندة جهود الدولة، ملوّحاً باتخاذ "إجراءات من جانب واحد". ويعكس هذا الخطاب تطوراً مهماً في علاقة القطاعين الخاص والعام، فلطالما ساندت الدولة التونسية فكرة المستثمر الخاص ولعلها بالغت في ذلك على امتداد عقود، ودللت أطفالها الأغنياء، تقرّباً وفساداً، وخوفاً أحياناً من سلطة ساهمت بنفسها في تحولها إلى قوة حقيقية تتلاعب بالقرار السياسي وتدير خيوطه من وراء الستار. ووجه كثيرون اتهامات صريحة لبعض رجال الأعمال بسبب سلبيتهم في التعاطي مع هذا التحدي بل ومحاولة الاستفادة من كل الأزمات، ما عكس جواً بأن الشأن العام لا يعنيهم إلا بما يزيد في إثرائهم.
لكن الدولة الراعية، والتي تستعيد دورها ومكانتها بقوة، تدرك أنها أمام تحدي وجود، وأن كورونا المستجد سيغير من وجه الجغرافيا والتاريخ، وسيُعيد توزيع الأدوار وسيرسم ملامح السلطة من جديد، ولذلك فقد عادت في كل أرجاء العالم تذكر أنها مصدر السلطة الحقيقي وأنّ على الجميع أن يفهم ذلك. إلا أن التاريخ أثبت في امتحانات سابقة أن الأفعى تتلوى وتتخفى لتظهر من جديد عندما تحين الفرصة.