أدى التفجيران إلى أضرار كبيرة (حسين بيضون)
عادت الحياة ولو قليلاً، إلى سوق عين السكّة في ضاحية بيروت الجنوبية بعد أقلّ من أسبوع على التفجيرَين الانتحاريَّين اللذَين ضربا المنطقة. لكن أعمال الصيانة التي لم تنته، بالإضافة إلى القلق الأمني، يمنعان السوق حتى الآن من استعادة صورته القديمة.
أمتارٌ قليلة تفصلُ بين مدخل مدافن منطقة برج البراجنة وسوق عين السكة. عند مدخل المدافن مُباشرة، يتجاور باعة لبنانيون وسوريون. ترتفع أصواتهم وهم يدلّون على الخضار المعروضة أمامهم. غالباً ما يسوّق الباعة لبضاعتهم من دون معاناة كبيرة، فالأسعار رخيصة والمحال متنوعة. والأخيرة ترفع بأكثرها أعلام "حزب الله" اللبناني، ورايات من وحي واقعة كربلاء.
التفجيران لم يمنعا بعض النساء من تجاوز المدافن للوصول إلى شارع عين السكة للتبضّع. يختلط حديثهن بأصوات عمّال الصيانة الذين يصلحون الأضرار الناتجة من التفجيرين. يتجنّبن المرور بالقرب من أسلاك شبكة الهاتف القريبة من أحد أفران المنطقة.
عند باب الفرن، ينادي أحد أصحاب المحال على أبو عبدو، معلّم البناء الذي يتولى عماله أكثر ورش إعادة ترميم المحال. يسأله بشكل متكرر عن الموعد التقريبي لانتهاء الورشة، "لأننا نريد أن يعود الشارع إلى طبيعته بأسرع وقت ممكن. نريد لرائحة الخبز الطازج أن تملأ المكان، علّها تنسينا رائحة الموت".
يتنقل أبو عبدو بين الرصيفَين لتفقّد الأعمال في مُختلف الورش. يوصي أحد العمال بالانتباه أثناء نقل الحجارة، وينادي على آخر كي يُسرع في خلط صبّة الباطون. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "الورش انطلقت بمبادرة من أصحاب المحال والجيران حتى لا يطول الحال على ما هو عليه"، مضيفاً أنه "يُبقي عينه على عماله السوريّين تجنباً لأي حساسيات مع الجيران".
وكان عناصر شرطة البلدية قد طالبوا بنقل كل عربات بيع الخضار التي يستخدمها الباعة السوريون إلى آخر السوق. هناك، يقع أحد محال الخياطة. يجلس العم أبو حسين خلف ماكنة الخياطة القديمة، واضعاً نظارات سميكة. يتذكر أزمات عدة سبق أن مرّت بها المنطقة خلال الحرب الأهلية اللبنانية، بالإضافة إلى موجة التفجيرات الانتحارية التي ضربت الضاحية بين عامَي 2012 و2014. لا يطول حديث الرجل عن حال المنطقة بعد التفجيرَين الأخيرَين. يضيف: "انظر إلى الشارع لتعرف أن الناس يريدون العيش والشراء من السوق ونسيان ما حصل".
الأمر عينه يؤكّده جاره من آل عطوي. أعاد الرجل فتح محمصته المواجهة لمكان وقوع التفجير الأول "بعد تشييع ابن شقيقته الذي قضى في التفجير، عبد الله عطوي، في بلدته الجنوبية مركبا". يشردُ الرجل أثناء مراقبة عمال الصيانة وهم يعيدون ترميم واجهة المركز التجاري المُقابل. تكرّر إحدى النساء طلبها: "وقيّة بن مع هال، الله يخليك".
ننتقل بعدها إلى محل للإكسسوارات. هناك يؤكد البائع عباس مكي لـ"العربي الجديد" أن البيع لم يتأثر بما حصل، قبل أن يقاطعه أحد الأطفال طالباً منه تصريف 50 ألف ليرة لبنانية (33 دولاراً أميركياً) إلى فئات نقدية أصغر. يفتح عباس الصندوق لكنه يُفاجأ بعدم وجود مبلغ كاف للصرف. مع ذلك، يؤكد أن "المبيع جيد"، مبرراً أن عدم وجود صرافة يرتبط بتأخر وصول الزبائن اليوم وليس بسبب التفجير. في الصندوق نفسه، يحتفظ سامر بكرات معدنية استخدمها الانتحاريون كشظايا لزيادة قوة التفجير. يشير بإصبعه إلى موقع وفاة صديقه سامر حوحو في التفجير الثاني، قائلاً: "أصيب سامر في التفجير الأول وركض بعيداً. لكن التفجير الثاني أدى إلى وفاته فوراً". وكانت كاميرات المراقبة في المحلات قد وثّقت عملية ركن الدراجة وحركة الانتحاريين قبل لحظات من التفجير.
تحصين مستشفى الرسول الأعظم
يعمل عددٌ من اللبنانيّين والسوريّين على دعم عوائق الباطون حول مستشفى الرسول الأعظم في ضاحية بيروت الجنوبية، بعدما كشفت التحقيقات أن المستشفى كان الهدف الأساسي للانتحاريّين. هذه الأعمال تُنفّذ تحت رقابة عناصر من "حزب الله"، الذين يتولون حراسة المستشفى على مدار الساعة. كذلك، ينتشر عناصر من الحزب في نقاط عدة على الطريق العام المُلاصق للمستشفى.
اقرأ أيضاً: كارول معلوف.. مبادرات لإغاثة اللاجئين