عن متلازمة الاستبداد

عن متلازمة الاستبداد

24 ابريل 2020
وقفة بغزة للمطالبة بإطلاق سراح الفلسطينيين المحتجزين بالسعودية(مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

قبل يوم من استشهاده، كتب القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني (6 إبريل/نيسان 1948) بخط يده من القدس مذكرته إلى الجامعة العربية: "إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بلا عون أو سلاح". رسالة اختزلت الآلام والمرارة المتوارثة من جدّ إلى حفيد. كما تظلّ رداً على بلطجة وتشبيح بعض الأنظمة الحالية، عبر ذباب إلكتروني، لتأليب العقول وزرع الأحقاد، إضافة إلى جماعة "مثقفون تحت الطلب" و"التصهين فضيلة"، في متاجرتهم بفلسطين.

يبدو البعض اليوم، في مقاربته البلهاء حول الفارق بين فلسطين وفيتنام والجزائر، بحاجة إلى دروس في التاريخ والجغرافية والسياسة، وقبلها عن جوهر المشروع الصهيوني الاستعماري-الاحتلالي. كان الأمر يستحق النقاش لو كانت فلسطين جارة جزائر الثورة، التي وجدت عوناً وسلاحاً عربياً، كما وجد الفيتناميون في جوارهم، وليس أنظمة "حصار" قريبة وبعيدة تجرّم محاولة اختراق الحدود، وتنظر للفلسطينيين كمشتبه بهم ضمناً، بتهمة بث روح الكرامة والمقاومة، ولو بالفكر. أما المقاربة النخبوية السطحية، فليست سوى انعكاس لعقول مأزومة بالاستبداد، ومريضة بمتلازمة استوكهولم في حضن الاستبداد.

منذ رسالة الحسيني، والهزائم الرسمية متتالية، بما فيها نكسة 1967، إذ لم يتوقف الجهد الرسمي، وأدواته، عن محاولات دفع الفلسطينيين للقبول بهزائم الأنظمة، باعتبار أي فتات أميركي-صهيوني "واقعية سياسية".

لدى النُخب "المُؤسرلة"، الأجبن من الردّ على إهانات دونالد ترامب المتكررة، شكّل كاريكاتير عن انهيار أسعار النفط ضالتها لإطلاق المكنون الحقيقي للتطبيع الذي حُذر منه، وبالأخص في بلد له قيمته المعنوية والتاريخية كالسعودية، فاختراقها يعتبره الصهاينة درة تاج الاختراقات العربية والإسلامية. وبينما يُزج في السجون، بتهمة دعم المقاومة، الفلسطيني أو السعودي أو المصري، يُحتفى في القصور بالحاخامات، ثمّ يسألون ببلاهة: كيف ولماذا تخترق، مثلاً، إيران الصفوف؟

على الرغم من خيبات معسكر "فلسطين عبء علينا"، في ظلّ ثبات بوصلة الشارع العربي، فإنّ الراهن الرسمي والحزبي مستمر في تقهقره منذ 1991. فمن الذي يبرر للاستبداد كلما استدعت الضرورة، أكان باسم "القومية والممانعة"؛ من مذبحة تل الزعتر إلى اليرموك، أم باسم "الوطنية الشعبوية" بدروس تمنين بأموال الدعم؟

الفلسطينيون اليوم لا يحتاجون إلى دروس "ثورية"، لا ممن يعتبر تل أبيب قُبلته، ولا من مبرري الديكتاتورية والاستبداد، باسم فلسطين أيضاً.