عن لبنان الذي يغير جلده

عن لبنان الذي يغير جلده

28 ابريل 2020
مسلمات عدة في لبنان تسقط تباعاً (حسين بيضون)
+ الخط -
كأن لا شيء يوحي بالأمل في بيروت هذه الأيام. لبنان يبدو أصل البلاء والوباء والإفلاس. الناس بين جوع وثورة، بين نفط مباح وحشيش متاح، بين حجر صحي وسجن كبير لا ضوء فيه آخر النفق. لكن لبنان اليوم يشبه الأفعى التي تغير جلدها ببطء عبر الاحتكاك بالصخور العاتية لتساعدها على نزع جلدها القديم.
هناك لبنان يموت تراجيدياً على المسرح، لبنان جيل القرن الماضي يلفظ أنفاسه الأخيرة. كل مسلمات هذه المرحلة تسقط تباعاً: البيك والشيخ والمعالي والفخامة ومعهم كذبة اتفاق "الطائف"، أسطورة التحالف بين النيوليبرالية والسلاح، وأوهام المقاومة وتثبيت سعر صرف الليرة. هذا الجيل الجديد تحرر من قدسيات أجيال القرن الماضي، يكسر المحرمات ويصنع فكرة جديدة عن لبنان، يخوض معاركه بالتظاهر والعنف والفوضى، فيه شيء من العدمية والمثالية، يحمّل من سبقه مسؤولية عدم التصدي لانهيار البلد. لم تعد بيروت وحدها كما كانت مع الأجيال السابقة؛ ما كانت تُسمى الأطراف عادت إلى الجسد من الشمال والجنوب والبقاع والجبل. هذا الجيل يكسر هالة رموز الفن في القرن الماضي، ينتفض على جرائم الشرف وكل أشكال الاضطهاد، يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي ليقول "كفى" بلغة ساخرة وفظة.
الطبقة السياسية تقيم الآن مراسم الوداع، بدأ العد العكسي لرحيلها بالموت السياسي أو الطبيعي، وكل الخطط الحالية لتوريث الأبناء أو الأصهرة لا أفق لها، لا يملك الأبناء وهرة الآباء على جيل القرن الماضي. كل ما يحتاجه هذا الجيل أن يخرج هذا النظام السياسي من طريقه ليحاول بناء شيء ما على أنقاضه. يخوض أيضاً هذا الجيل الثائر معارك مع ذاته ومع نظرائه. هناك الفقراء من الجيل الجديد الذين يبحثون فقط عن حراك اجتماعي أفضل، وهناك المتدينون المتمسكون بأسس النظام الطائفي كما المستفيدون من الأمر الواقع.
لا نعرف أين سيأخذ لبنان هذا الجيل ومتى سيكتمل طوره الآتي، وما إذا سيكون هذا الانسلاخ المحتوم سهلاً عليه وعلى لبنان، وما إذا سيتعلم من دروس وتجارب الآخرين ويصنع مشروعاً قابلاً للحياة للجيل الذي سيأتي بعده. الطبقة السياسية تدير الانهيار والصراع الإقليمي نعم، لكن هذا الجيل الجديد بكل تلاوينه يرسم معالم مستقبل لبنان.