Skip to main content
عن غربال الزمن والأيدي المرتعشة

كشكول

بلال فضل

ـ ربما كان عليك أن تتذكر وسط صدمتك من الارتفاع المتواصل لأسعار البنزين والغاز والمعيشة، أن رضاك عن المذابح في الماضي وتبريرك لها، جعل قدرتك الآن على السخط مستحيلة لأنك أصبحت تدرك أنك يمكن أن تكون عرضة للذبح إن لزم الأمر.

ـ كتب كثيرون عن التغييرات السياسية التي أحدثها خلع الرئيس السوداني عمر البشير من منصبه، لكنهم أغفلوا تغيراً مهماً لا أعتقد أنه حدث لي لوحدي، وهو أنني أصبحت أتلقى بانتظام إيميلاً ـ وهمياً بالطبع ـ من زوجة البشير تناشدني أن أساعده في تهريب أمواله المهربة في بنوك سويسرا وتطلب مني تفاصيل حسابي البنكي لتحويل الأموال المهربة إليه، وهو نفس الطلب الذي تلقيته من قبل من جميع "زوجات" الرؤساء المخلوعين اللواتي تجمعهن الثقة في ذكائي وأمانتي، حتى أنني ظللت لفترة قلقاً على مصير الثورة الجزائرية حين لم أتلق الإيميل إياه من زوجة الرئيس الجزائري المعزول عبد العزيز بو تفليقة، ربما لأنها فارقت الحياة كما قرأت، أو لأنها لا تمتلك عنوان بريدي الإلكتروني، على أية حال، أنتظر أن يصلني قريباً نفس الإيميل بنفس الصيغة من زوجة عبد الفتاح البرهان وزوجة تابعه حميدتي، لأطمئن على مصير ثورة السودان. 

ـ في زمن الحكم العسكري، عليك أن تختار، إما أن تكون محجوباً عن قرائك، أو تكون "محجوب عبد الدايم". 

ـ عدالة القضية ونُبل المؤمنين بها، لا يمنع أبداً أن "الأفورة يمكن أن تجيبها ورا". 

ـ لست قوياً في مقاومة الحنين إلى الدرجة التي تظنها، كل ما هنالك أن إحساسي بالغربة لا بد أن يتضاءل، حين أعيش في مدينة أستطيع أن أجد فيها عبوات من "شاي العروسة" في أي وقت يهفّني الشوق إليه. 

ـ أربع كلمات سمعتها في فيلم روسي قديم، تلخص الكثير من أحوال المبتلين بالحياة في الدول السلطوية: "المعيشة غالية والحياة رخيصة". 

ـ كبرنا يا أمي وأصبحنا نعتبر العزائم توريطة. 

ـ إن مما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا أجرم فيهم الفقير والهلفوت طالبوا برأسه ورأس من يتشدد له، وإذا أجرم فيهم المسنود والقوي طالبوا له بـ "فرصة تانية". 

ـ أخي العزيز: إذا أفزعك أو أزعجك أو أحزنك الرأي المخالف لك من زميلك المواطن الذي لا يمتلك سلطة ولا سلاحاً، عليك أن تتذكر أنه في النهاية، مثل رأيك بالضبط، ليس له قيمة.

ـ الأيدي المرتعشة لا تقوى على لمّ الأجرة. 

ـ يا صديقي: قرأت سطورك الغاضبة التي اجتهدت فيها لإعلان مواقفك الحاسمة للجدل، ولدي توضيح بسيط أتمنى ألا يكون صادماً لك: حركة التاريخ لم تبدأ بتاريخ إنشائك لحسابك على الفيس بوك، لذا لزم التنويه.

ـ أقوى ما سمعته في مجال المراجعات والنقد الذاتي عبارة وردت في فيلم (وتمت أقواله) للكاتب د. فهمي عبد السلام، يقول فيها سعيد صالح الذي يلعب دور مجرم رد سجون لأحد شركائه في العصابة: "مش انت أنضف واحد في عيلتك، أنا أوسخ واحد في عيلتي". 

ـ لا يرحم غربال الزمن أحداً، لكنني لاحظت أنه يكون أقسى ما يمكنه على الجادين أكثر من اللازم والغاضبين دائماً وأبداً. 

ـ حين صعد الممثل الأمريكي أندريه دي شيلدز البالغ من العمر 73 سنة لتسلم جائزة توني كأحسن ممثل مسرحي مساعد لهذا العام، ألقى كلمة جميلة أوجز فيها نصائحه لمن يرغب في حياة أفضل أو أقل سوءاً، وقد كانت نصائحه كالتالي: أحط نفسك بمن تلمع أعينهم فرحاً حين يرونك ـ التمهل يوصلك إلى هدفك أسرع ـ حين تصل إلى قمة جبل تذكر أنها مجرد سفح لجبل أعلى، لذلك واصل الصعود. للأسف فقدت نصائحه الكثير من أثرها حين دخلت على الفيس بوك بعد انتهاء الحفلة، لذلك يمكن أن أضيف إليها نصيحة رابعة أهم، بل وربما كانت أفيد لك بحكم الظروف من النصائح السابقة: حين تختار قضاء أغلب وقتك في البلاعة، لا تشتكِ من طرطشة الخراء.

ـ لا أعتقد أنني قرأت أو شاهدت حتى الآن شيئاً يثبت قدرة الإنسان على خداع نفسه وسعيه لتبرير مواقفه المنحطة، مثل ذلك التعليق الذي كتبه أحد المواطنين اللبنانيين، رداً على تدوينة كتبتها الإعلامية اللبنانية ديما صادق تستنكر فيها المواقف العنصرية ضد اللاجئين السوريين في لبنان، طالبة من جميع اللبنانيين أن يتذكروا الظروف الصعبة التي اضطرتهم للهجرة من بلادهم على مدى السنين الماضية، فما كان من أخينا الذي يضع صورة ميشال عون إلى جوار اسمه إلا أن قال لها: "عم تشبهي الانتشار اللبناني في جميع أنحاء الأرض باللاجئين السوريين بلبنان، عنجد إنتي واحدة حقيرة"، ولم أكد أفيق من آثار قراءة هذا التعليق العجيب، حتى قرأت بعده تعليقاً كتبه أستاذ جامعي مصري رداً على تدوينة كتبها زميل له من مؤيدي عبد الفتاح السيسي يتساءل فيه مجرد تساؤل برئ عن أسباب تدمير كبائن وأشجار حدائق المنتزه التاريخية في الإسكندرية، وهو تعليق حسم به الأستاذ الجامعي الجدل الذي شعر أن إثارته ستكون خطيرة على الأمن القومي حين قال: "أنا وصلت لدرجة قناعة بالسيسي إن كل اللي بيعمله صح، حتى لو أنا شايفه غلط". لم أنشغل بالرد على التعليقين قدر انشغالي بالتفكير في أهمية اقتراب اليوم الذي ينجح فيه مسئولو مواقع التواصل الاجتماعي في إدخال تعليقات صوتية تعبر عن المشاعر التي لا يمكن التعبير عنها كتابة أبداً.  

ـ قال لي القارئ الكريم إنه قرأ لي عبارة ما كنت قد نشرتها من قبل في مقال سابق، فلم أجد رداً أفضل مما سبق أن قاله أستاذنا محمد عفيفي: "لئن يكرّر الكاتب نفسه خير من أن يكرّر غيره".

ـ أولئك الذين لا يتحركون أبداً هم الذين لا يلاحظون الخوازيق التي رُشِقوا فيها. 

ـ في الأربعين سنة الأولى من عمرك سيكون من المهم أن تقنع نفسك بأن "اللي اتكسر يتصلّح"، في الأربعين سنة الثانية ـ إن أكملتها ـ سيكون من المهم أن تدرك خطورة هذه الفكرة وتشيلها من دماغك. 

ـ من دعاء الصالحين: اللهم ارفع كل أولاد المتسخة عنا وعن مراوحنا التي تعيننا على احتمال الحياة، ولا تدخلنا في أي تجربة وحشة كانت أو حلوة، اعفنا من التجارب بشكل عام، وإذا كتبت علينا أن نموت، فليكن ذلك في أيام ليس بها حظر تجول، لكي لا نبهدل أحبابنا معنا، لا ندعوك بأن تخرجنا من هذه البلدة الظالم أهلها، لأنها ستبقى بداخلنا أينما اتجهنا، ولذلك ندعوك أن تخرج هذه البلدة الظالم أهلها منا، ليس لكي نستمتع بالحياة، بل لكي نستطيع التقليل من الآثار الجانبية لما تسببت به لنا وتسببنا به لأنفسنا من أمراض.