عن عرب المونديال

عن عرب المونديال

22 يونيو 2018
+ الخط -
لست خبيراً كروياً، وإن كنت، كبقية مواطني العالم العربي، أتابع بشغف أخبار (ونتائج) الفرق العربية التي تشارك في مونديال روسيا 2018. وما أطرحه هنا مجرد ملاحظات سريعة على هذه المشاركة، لا تتعلق بتقييم الأداء الفني للاعبين وفرقهم، وإنما للجزء الغاطس من الموضوع، والمتعلق بالبنية التحتية لكرة القدم، فما نراه على المستطيل الأخضر، بلغة معلقي كرة القدم، هو حصيلة ما يجري في الكواليس، سواء على مستوى التحضير والاستعداد، أو على مستوى الدعم المادي والمعنوي الذي تتلقاه الفرق المشاركة في هذه البطولات.
أكتب هذه الزاوية، بعدما تأكد خروج مصر والمغرب والسعودية من الدور الأول للبطولة، وهي نتيجة لا أراها، على عكس كثيرين، مفاجئة. وإنما هي تحصيل ما هو معروف سلفاً، ليس لعدم الثقة في قدرة لاعبينا على تجاوز عتبة دور المجموعات، ولكن قناعةً بأن كرة القدم، أكثر من غيرها من الرياضات، هي مرآة للأوضاع العامة في أي بلد. وهذه الأوضاع تترك آثاراً مادية ومعنوية كبيرة على اللاعبين، ومستواهم الفني والذهني. والمسألة ليست تسييساً لواحدة من أهم الرياضات وأكثرها شعبية، بقدر ما هي محاولة لقراءة ما هو مستتر خلف الهزائم التي مُنيت بها الفرق العربية في مونديال روسيا حتى الآن.
أولى الملاحظات، عدم قدرة الفرق العربية المشاركة على الصمود في مواجهة خصومها. ومن يتابع المباريات الأولى يكتشف أنها تمت بالسيناريو نفسه، وهو الخسارة في الدقائق الخمس الأخيرة. حدث ذلك في مباراة مصر مع روسيا، والمغرب مع إيران، وكذلك تونس مع إنجلترا. ويتجاوز الأمر الاستعداد البدني والتركيز الذهني للاعبين، ليصل إلى مدى جديتهم واستعدادهم لتحقيق الفوز في المباريات، وليس الدفاع وانتظار معجزة إلهية تحقق النصر. صحيحٌ أن التوفيق يلعب دوراً مهماً في مثل هذه البطولات، لكن كذلك الاستعداد والرغبة الجدية في الفوز، وليس فقط عدم الخسارة، فأول شعور يتسرب إليك، وأنت تشاهد اللاعبين العرب في الجولة الأولى، أنهم خائفون ومتردّدون من اللعب أمام الفرق الأوروبية، وكأن ثمة شعوراً نفسياً بالهزيمة الحضارية، والتسليم بتفوق نظرائهم الأوروبيين.
الملاحظة الثانية، التعلق الكبير للشعوب العربية، بفرقها ومنتخباتها. وهو تعلقٌ، وإن كان موجوداً لدى جميع الشعوب، إلا أنه أكثر وضوحاً في الحالة العربية، كون كرة القدم باتت واحدة من الأمور القليلة التي يجتمع حولها العرب، في ظل انقساماتهم السياسية والاجتماعية والدينية والطائفية. ولعل ذلك ما يفسر حالة الإحباط الشديدة التي تسود الشارع العربي الآن، بعد خروج ثلاثة فرق عربية من البطولة الدولية. وإذا كانت الهزيمة في الرياضة أمراً طبيعياً، إلا أن الأمر يتجاوز ذلك بالنسبة للمواطن العربي، فتكاد كرة القدم، أكثر من غيرها من الرياضات، تكون اللعبة الوحيدة التي لا تعترف بالفوارق الطبقية والاجتماعية، وهي بمثابة الرئة الوحيدة التي تتنفس من خلالها الشعوب العربية قدراً من الحرية، سواء في الحديث عنها أو في التعبئة والحشد لمبارياتها. لذا هي أكثر ما تُفرح في حالة الفوز، وأكثر ما تُحزن في حالة الهزيمة.
والملاحظة الثالثة، حالة التعاضد الكبير بين مشجعي الدول المشاركة في البطولة وشعوبها، بشكل يكاد لا يوجد في مناطق أخرى من العالم، فالدعم العربي للفرق المشاركة، حتى وإن وجدت بين دولها خلافات سياسية، يبدو أمراً جلياً. فمثلاً شجّع الإخوة الجزائريون أشقاءهم في الفريق المغربي، وعلى الرغم من الحساسية التاريخية بين البلدين، كما كانت صيحات الجميع في المنازل والمقاهي ترافق كل هجمةٍ للمنتخبات العربية على مرمى خصومهم.

دلالات

A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".