عن ضرب الظالمين وذاكرة الفراخ والأسماء الكودية

عن ضرب الظالمين وذاكرة الفراخ والأسماء الكودية

10 مايو 2020
+ الخط -
ـ اللهم لا تضرب الظالمين بالظالمين، ووفقهم إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف، فقد ثبت للأسف أنه مع كل ضرب للظالمين بالظالمين، نحن وحدنا الذين لا نخرج من بينهم سالمين.

ـ هناك كتّاب من فرط رداءة ما يكتبونه، يتحول موضوع "موت المؤلف" من نظرية إلى أُمنية. 

ـ يمكن تلخيص علاقة الأبوين بأبنائهما من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة، بأنه انتقال من مرحلة عبارة "ربنا يقدرنا على تربيتهم"، إلى مرحلة عبارة "ما عرفناش نربّي للأسف".

ـ كثير من الذين يعلو صوتهم بالزعيق بعبارة "كلنا فاسدون لا أستثني أحداً"، لا يفعلون ذلك رغبة في مقاومة الفساد كما كان يفعل بطل فيلم (ضد الحكومة) الذي اشتهرت بسببه تلك العبارة، بل للغلوشة على حقيقة أنهم يستسهلون لوم ضحايا الفساد ويجدونه أفضل وأكثر أمناً من لوم الظالم الذي يحمي الفساد.

ـ حين استفحلت مشكلة نسياني لمن أقوم بتسجيل أرقامهم على الموبايل، ولم أعد أربط أسماءهم بوجوههم بسهولة، قررت أن أقوم بإطلاق أسماء كودية على من يجب ألا أرد عليهم تحت أي ظرف، ومن يومين أثناء بحث في "الإنديكس" عن رقم شارد، اكتشفت أن عندي على الموبايل سبعة "سي خ**". 

ـ قد أكون فشلت في إرضاء جميع الأذواق، لكن ألا يُحسب لي أني نجحت في إغضابها؟ 

ـ لسنوات استمعت إلى نصيحة "أكل تفاحة في اليوم يغنيك عن زيارة الطبيب"، ولم تفرق مع صحتي ببصلة، حتى أنني أصبحت أشك أن من أطلقوا تلك الحكمة كانوا يقصدون أن يكون كل ما تأكله في اليوم تفاحة. 

ـ بتاريخ 28 يونيو 2015 نشرت صحيفة (المصري اليوم) الخبر التالي: "أصدر مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون قراراً بخصم خمسة أيام من مرتب حمدي عبد المجيد كبير مذيعي البرنامج العام لإذاعته المقطع الشهير من فيلم (أبو حلموس) للفنان نجيب الريحاني وهو يصف ناظر الوقف بأنه "حمار كبير علشان مصدق المصاريف دي" خلال افتتاح الرئيس السيسي لتجديدات مطار الغردقة، وبحسب نص قرار الخصم والذي حمل رقم 7 لسنة 2015 فإن المقطع الذي تم إذاعته غير ملائم ولا يتفق وطبيعة المادة المذاعة حيث كان افتتاح الرئيس لمطار الغردقة ومناقشته للمسئولين في تكلفة الممر الكهربائي داخل المطار". 

احتفظت بالخبر بين أوراقي، ولا أدري ما الذي حدث للمذيع المخصوم له، وهل كانت تلك آخر أحزانه، لكنني أدري والجميع يدري ـ حتى وإن أنكر ـ أن ذلك المقطع غير ملائم فعلاً للإذاعة في بلد المشروعات القومية الكبرى، ليس لأن "ناظر الوقف حمار كبير عشان مصدق المصاريف دي"، ولكن لأن من كانوا يظنون أنه لا يعرف أين تذهب تلك "المصاريف الشمال"، هم الذين اتضح أنهم أكثر حمورية من ناظر وقف أبو حلموس. 

ـ نشر صديقي على صفحته سؤالاً تراثياً للشيخ فريد الدين العطار يقول فيه: "إلى متى سنظل نقود السفينة على اليابس؟"، فقلت له: "حين يتوقف الحفر على الناشف". 

ـ صحيح أن أدوية البرد تساعد الإنسان على عمل دماغ، لكنها في الوقت نفسه تشغل دماغه بأسئلة عبثية من نوعية "من جاء أولاً إلى الدنيا: البيضة ولّا الفرخة؟"، وهو ما يوصله بعد قليل إلى أفكار أشد عبثية من نوعية أن علاقة الفرخة بالبيضة كانت ستختلف تماماً لو لم تكن ذاكرتها ضعيفة، بحيث تنسى البيضة بمجرد وضعها، وتتركها لمصيرها، لينتهي الأمر في نفس الليلة برؤية حلم تقول فيه فرخة مشوية على الفحم لبيضة مسلوقة "نُصّ سِوا": "إيه مالك.. هو أنا خلِّفتك ونسيتك؟".  

ـ  زميلي العزيز: حين أقرأ آراءك النيرة التي تتحفنا بها بانتظام، أذكر نفسي بأن الإنسان يعيش مرة واحدة، تخيل معاناة الكوكب لو عاش ناس مثلك مرتين.

 ـ لا يوجد كائن حي مثل الإنسان قادر على التعايش مع التناقضات، لا تنس أن كثيراً ممن تعرفهم من العقلاء الكُمّل يمكن أن يهاجموا بضراوة كل من يصدق في السحر والشعوذة والخرافات، لكنهم في الوقت نفسه يؤمنون أن جميع مسئولي الدولة يراعون ربنا في ملء إقرارات الذمة المالية كل عام.

ـ يوماً ما، سنتطور ونتحضر ويزداد تقديرنا للثقافة والمعرفة، ليخرج المسئول الرفيع من منصبه بعد تورطه في قضية فساد أو مخالفته للقانون، ويصبح من حقه بعد الخروج من السجن كتابة مذكرات يكسب من وراءها الملايين، سيكون لطيفاً أن نجرب مثل هذا النوع من الفساد، ولو على سبيل التغيير. 

ـ عزيزي العاشق لنظريات المؤامرة ولنفايات الإنترنت: أكبر دليل على أن الأرض كروية وليست مسطحة، أن دماغك ومؤخرتك تبادلا الأدوار منذ فترة، دون أن تشعر بأي فرق. 

ـ باظت زيجة صديقنا لأغرب سبب يخطر على بالك، لأنه قال لزوجته قبل ممارسة الجنس: "أنا باقول نطفي النور أحسن"، ونسي أنك إذا اخترت الإضاءة في بداية حياتك الزوجية، لا بد أن تبقي عليها مشتعلة حتى النهاية. 

ـ كل شيء تمت خصخصته في بلادنا، إلا الجريمة المنظمة، لا زالت محتكرة في أيدي الضباط. 

ـ حين تختارين شريك حياتك فكري في كل الاحتمالات، ولا تخجلي من طرح أي أسئلة، بما فيها سؤال: هل هذا هو الرجل الذي سيرفع عليه أولادي يوماً ما قضية حجر؟ 

ـ كلما قرأت لمن يتحدث عن المؤامرة الدولية التي تدور على البلاد، وعن عظمة النظام الحاكم وإنجازاته المتلاحقة التي ستنقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة في وقت قياسي، أتذكر على الفور المطرب أحمد إبراهيم. إذا كنت لا تعرف المطرب أحمد إبراهيم، فأنت لم تكن متابعاً للساحة الغنائية في التسعينات، حين ظهر أحمد إبراهيم كمطرب متخصص في إعادة الأغنيات القديمة، وكان برنامج (الموسيقى العربية) في القناة الثانية الحكومية، يذيع له بانتظام أداءه لبعض تلك الأغنيات في حفلات الأوبرا، ثم فجأة قرر أحمد إبراهيم أن يغير لونه الغنائي، وينضم إلى قافلة ما كانت الصحافة تطلق عليه وقتها "الأغنية الشبابية"، لكن محاولاته لتصوير أكثر من فيديو كليب "روش" باءت بالفشل الذريع، فبرغم قوة صوته وتمكنه من أداء الألحان القديمة، إلا أنه لم ينجح في تقديم شيء يميزه عن غيره، كما أنه كان على المستوى البصري والدرامي يمتلك انصرافاً بدلاً من الحضور، طبقاً للتعبير الذي صكّه عمنا محمود السعدني ولطشه منه الكثيرون.

لم يستسلم أحمد إبراهيم لمصيره، وظل يصر برغم كل ما جرى له من عثرات، على اتهام مسئولي الإذاعة والتلفزيون بمحاربته هو وأمثاله من أصحاب الأصوات القوية، حين ينشرون الأغاني الرديئة المفسدة للذوق العام، وكان ذلك النقد سلوكاً مألوفاً يمارسه المطربون الذين يفشلون في التواصل مع الجمهور بأي شكل من الأشكال، لكن أحمد إبراهيم نقل ذلك السلوك إلى مستوى قياسي في الانفصال عن الواقع والعيش في عالم خيالي، حين نُشر له ذات يوم من أيام التسعينات حوار صحفي يحمل بالبنط العريض عنوان "أحمد إبراهيم: لن أعمل في السينما إلا بشروطي"، وأذكر أن ذلك الحوار نُشر في الملحق الفني لصحيفة (الحياة) اللندنية، مما جعلني أستبعد فكرة أن يكون حواراً مدفوع الأجر من الحوارات التي شاعت في الصحافة الفنية وقتها، ورجحت أن يكون الصحفي الذي أجرى الحوار قد وصل إلى درجة من الغيظ من أحمد إبراهيم، فقرر تحويل الحوار إلى مقال ساخر، يستلقي فيه القارئ على قفاه من الضحك حين يتخيل أحمد إبراهيم وهو يعرض شروطه على السينما، فتنظر إليه مستغربة وتسأله: " مش تقولي الأول انت مين يا ابني؟"، ومن ساعتها وكلما رأيت من يتحدث عن المؤامرة الدولية على مصر، أتذكر أحمد إبراهيم وهو يقول: "لن أعمل في السينما إلا بشروطي". 

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.