خسر المنتخب المصري بكل سهولة أمام السنغال، وفقد معظم الفرص في طريق الوصول إلى العرس الأفريقي، وفاز المنتخب الجزائري من جديد وثبّت أقدامه كأحد أقوى المرشحين، الذين يريدون نيل شرف الحصول على بطولة 2015 المقررة إقامتها في غينيا الاستوائية، وبين ستاد القاهرة وملعب مصطفى تشاكر، مسافات بعيدة وفروقات شاسعة تقودنا حتماً إلى معرفة أسباب الفشل والنجاح.
مصر التائهة
لعب المدرب شوقي غريب بطريقة غير واضحة المعالم، 4-3-3 على الورق بتواجد الثلاثي إبراهيم صلاح، محمد النني، تريزيجيه في منطقة المنتصف، مع المثلث الهجومي في الأمام بقيادة متعب في العمق، والثنائي صلاح وسليمان على الأطراف، لكن داخل الملعب كانت التحركات عشوائية إلى أقصى درجة ممكنة، لأن العبرة ليست في وضع الخطة بل في كيفية تنفيذها والاستفادة القصوى من الفراغات سواء في حالة الاستحواذ على، أو فقدان، الكرة.
ينطلق تريزيجيه من الوسط إلى اليسار لمساندة الظهير رحيل، بينما يتحرك النني إلى اليمين للربط مع أحمد فتحي، وبسبب افتقار الثنائي إلى اللمسة المميزة في الاستلام والتسليم، جاءت التركيبات الهجومية مباشرة دون أية لمسة جمالية، بالإضافة إلى افتقار الوسط إلى زوايا التمرير، بمعنى حصول إبراهيم صلاح على الكرة، الارتكاز المميز في قطع الكرات الذي يحتاج إلى لاعب آخر بجواره كي ينقل الكرة إلى الأمام، لكن وسط المنتخب لا يجيد هذه المهام.
ونتيجة كل هذا التخبط الفني في مركز اللعب، اضطر وليد سليمان ومحمد صلاح إلى النزول كثيراً إلى المنتصف من أجل الحصول على الكرة، مما جعل الأداء يظهر بصورة فردية معظم فترات المباراة، وخسر الفريق منطقة العمق، بسبب ضعف المهارات الفنية، وترك الأطراف نتيجة سيطرة السنغال على منطقة المناورات، في عنوان رئيسي للفشل يُحسب على الجهاز الفني المصري بالكامل.
الإدارة الرياضية
فشل المنتخب المصري في الصعود إلى كأس العالم 2014، ورحل الأميركي بوب برادلي الذي تحمل المسؤولية كاملة رغم عدم انتظام المباريات داخل البلاد وفشل المنظومة في إنتاج بطولة دوري حقيقية. وفي الحالات الطبيعية كان المتوقع هو التعاقد مع مدير فني عالمي يُنقذ المرحلة ويبني جيلاً كروياً جديداً من الصفر، مدير فني له شخصيته ومكانته العالمية التي تستطيع الوقوف في وجه كافة الصعوبات والمعوقات، التي تواجه الكرة المصرية مؤخراً.
ولكن كان لهاني أبو ريدة وشركائه رأي آخر، وترك الاتحاد المصري كافة الأسماء المميزة واختار شوقي غريب، وكأن الزمن يعود بالفراعنة إلى الوراء، وعلى طريقة "فتش في دفاترك القديمة"، التي أثبتت فشلها من قبل في أكثر من مناسبة، أدار المسؤولون مشكلة الكرة المصرية بالطريقة الخاطئة نفسها، ليتكرر البلاء ولكن هذه المرة في التصفيات المؤهلة لبطولة أفريقيا.
المنتخب المصري لا يجيد بناء الهجمة، ولا يضبط التحولات، ولا يستطيع اللعب في المناطق الضيقة أو استغلال المساحات خلف دفاع الخصوم، لذلك لا تستحق أبداً كافة الأسماء المسؤولة عن هذا السقوط الاستمرار لفترة قادمة، ليس فقط الجهاز الفني بل كل المجموعة التي تدير اللعبة في مصر، وباللهجة المصرية "كفاية" هي شعار المرحلة.
على النقيض
ومن العقم الفني الكبير، الذي أصاب المنتخب المصري، إلى المرونة التكتيكية الرهيبة، التي يتمتع بها الفريق العربي الجزائري، والذي يلعب بأكثر من خطة لعب حسب ظروف المباريات وإمكانيات الخصوم، لامتلاكه مجموعة مميزة من اللاعبين القادرين على شغل كافة المراكز داخل المستطيل الأخضر، لذلك استحق الصعود المبكر كأول منتخب أفريقي وصل إلى بطولة الأمم 2015 في غينيا الاستوائية.
"أعطني حفنة من اللاعبين، وسوف أعطيك فريقاً جيداً، وإذا وفرت لي مجموعة مميزة من اللاعبين سوف أعطيك فريقاً جيداً جداً، أما إذا وفرت لي فريقاً جيداً، فسوف أجعله الفريق الأفضل في العالم". هكذا يقول فاليري لوبانوفيسكي عراب الكرة الأوكرانية عن أسلوبه التدريبي، وبعقد مقارنة سريعة بين حديث المدرب القديم وأجواء الكرة الجزائرية هذه الأيام، سنجد تشابهات عديدة من ناحية التطور الحقيقي بين التصريح ومنحنى صعود الخضر.
لأن الجزائر لعبت بشكل جيد خلال تصفيات المونديال، ثم أدت كأس عالم جيداً جداً في البرازيل، والآن تضاعف الأداء في التصفيات الأفريقية ليقترب من درجة الممتاز قبل أشهر قليلة من بداية الكان، والسر يعود إلى وجود توليفة قادرة على التعامل مع كل مباراة، فالوسط يضم لحسن، تايدر، محرز، وهم ثلاثي قادر على أداء مهام مختلفة، سواء قطع الكرات أو التمرير أو الانطلاق من الوسط إلى قلب الهجوم.
أما ثلاثي الهجوم فكل لاعب له ميزة لا تتواجد في الآخر، فيجولي الجناح، الذي يعطي صبغة اللعب المباشر ويستطيع صنع الخطورة على الخط، بينما براهيمي نجم الفريق يعتبر صانع لعب متحرك، يجيد التمرير في العمق وعلى الأطراف، ولا يكتفي فقط بصناعة الأهداف، بل هو قادر على تسجيلها في اللحظات المصيرية، مع وجود سليماني في الأمام، رأس الحربة الكلاسيكي الذي يزاحم المدافعين، ويستغل المساحات في القنوات بين قلبي الدفاع، وينطلق خلف الدفاع المتقدم، لذلك "التنوع" هو سلاح الخضر الفتاك في رحلته نحو المجد.
استراتيجية ناجحة
وصل محاربو الصحراء إلى ثمن نهائي مونديال 2014، وقدموا مباراة غير عادية أمام البطل ألمانيا، واستحقوا المديح من الجميع، العدو قبل الصديق، والفضل يعود إلى مجموعة اللاعبين والمدرب الرائع حاليلوزيتش، الذي أصر على أفكاره وخططه، ووصل بالمنتخب إلى المراد في نهاية مشواره مع الكرة الجزائرية، ليعلن الرحيل الأكيد بعد نهاية المونديال العالمي ويذهب إلى مكان آخر، ليضع مجلس إدارة الكرة الجزائرية بقيادة محمد روراوة، وهو اسم آخر موثوق فيه، الفرنسي كريستيان جوركوف، الرجل الذي واصل المسيرة وأكمل عمل المدرب السابق، ولم يبدأ من الصفر لوجود قاعدة حقيقية أسسها الاتحاد الجزائري والراحل حاليلوزيتش، وهذا هو السر الرئيسي وراء تفوق الفريق الناجح، حيث الاستقرار الإداري والتنوع الفني داخل الملعب وخارجه.
وكرة القدم عبارة عن نتائج تأتي بعد مقدمات، ونجحت الجزائر في الوصول إلى عمل كبير نتيجة عمل شاق مستمر منذ عدة سنوات، عكس الفريق المصري الذي يدفع ثمن أخطاء قديمة وهفوات متكررة، لذلك الفارق بين المنتخبين ليس الجهاز الفني فحسب، بل طريقة إدارة المؤسسة الرياضية بشكل كامل.