عن ذكورية العلاج النفسي

عن ذكورية العلاج النفسي

21 يونيو 2019
رفضاً للعنف ضد النساء (ايميليانو لاسالفيا/ فرانس برس)
+ الخط -
بعد دبلوم الدراسات العليا في علم النفس، وممارسة مسار مهني بعيد كل البعد عنه، عدت بعد عشر سنوات لأشارك في برنامج تدريبي لمدة أربع سنوات لنيل إفادة تخولني ممارسة العمل النفساني من خلال مقاربة التحليل النفسي – النظمي. خلال سنوات الدراسة الخمس، وسنوات التدريب الأربع، يمكنني أن أدّعي الآن أن المهنة (أقله في لبنان) ذكورية. هي ذكورية بالطرح وبالمقاربة وبالنظرة العامة للأعراض النفسية وطريقة تشخيصها.

أقله في ما اختبرته في غرف التدريب والدراسة وخلال سياق العمل في منظمة تقدم الخدمات النفس-اجتماعية والنفسية للنساء المعنّفات، يمكنني أن أقول أنها لم تكن تتم بمقاربة نسوية تكاملية. حين يتم التعاطي مع العارض النفسي للنساء بمعزل عن السياق الاجتماعي والثقافي والجندري المحيط به والمسبب له في الغالب، يتم التشخيص من وجهة نظر أحادية ضيقة وغالباً ذكورية وإلحاق وصمات نفسية (فردية) بالنساء، لا تأخذ الاعتبارات الجندرية في الحسبان، كاختلال توازن القوى والأدوار الاجتماعية وجملة التوقعات الفردية والنظرة للذات انطلاقاً من مرآة المجتمع، وجملة الإدراكات والمواقف والاتجاهات الفردية التي تم تشكيلها في بيئات اجتماعية وثقافية وسياسية مؤطرة اجتماعياً ضمن قوالب جندرية.

بكلام آخر، وعلى سبيل المثال، لا يمكن القيام بتدخل عيادي مع امرأة تعرضت لعنف أسري تشعر بالذنب وبنظرة مشوّهة عن نفسها وعن قيمتها على اعتبار أنها حالة فردية دون النظر إلى القمع النفسي التاريخي للنساء بسبب مكانتهن السياسية والاجتماعية، مهما كانت مدرسة العلاج التي يتبعها المعالج. قد يكون جزء من التمظهرات أو العوارض النفسية مرتبطا بتجربة المرأة الفردية وعلاقتها الشخصية، لكن الإحاطة الكلية بالإشكالية لن تحصل إذا لم يتم أخذ كافة السياقات الثقافية والاجتماعية والجندرية بعين الاعتبار.



من هنا، فإن وصم النساء بجملة اضطرابات نفسية أو حتى توصيف الإشكالية بأنها اضطراب نفسي هو قمة انعكاس العقلية الذكورية التي تريد أن تجرد نفسها من أي مسؤولية. تنحو المقاربات النسوية في العلاج النفسي إلى اعتبار الأعراض النفسية لا تخرج عن كونها رسالة عن العيش في ظل نظم ذكورية تمييزية وغير عادلة عوضاً عن كونها اضطرابات نفسية فردية. من غير المقبول أبداً تشخيص النساء بالاكتئاب وبالاضطرابات العاطفية ثنائية القطب أو "الهستيريا"، ومن المخيف ان تصدر دراسات "علمية" تؤكد أن النساء أكثر عرضة للاكتئاب أو أن تُلحق بهن اضطرابات نفسية معينة.

يضعنا ذلك أمام السؤال الأهم وهو: من قام بتشخيص وتصنيف الأمراض ووضع مدارس معينة لعلاجها؟ القاسم المشترك بين مدارس العلاج النفسي هو أن فرويد، ويونغ وآدلر وواتسن وسكينير وماسلو كانوا خلفها جميعاً. اللافت أنهم كانوا كلهم رجالاً ولابد من أنهم وضعوا اعتباراتهم وامتيازاتهم الذكورية ونظرتهم المحدودة بالبيئة وبالسياق الاجتماعي والثقافي والسياسي والجندري والذي كان سائداً حينها (وغالباً في الغرب وفي أوساط محددة) حين طوروا هذه النظريات. واللافت أيضاً، أن نعيد فرز وتطبيق هذه المدارس وكأنها منزلة غير قابلة للنقاش.

(ناشطة نسوية)

دلالات

المساهمون