عن تكريمٍ يؤكّد صوابية الاهتمام السينمائي

عن تكريمٍ يؤكّد صوابية الاهتمام السينمائي

02 يوليو 2018
تيم روبنز مُكرَّمًا في كارلوفي فاري (الموقع الإلكتروني للمهرجان)
+ الخط -
يتآلف التكريم مع مناخ المهرجان والمدينة والبلد. هذا اختزال لحدثٍ مترافق وافتتاح الدورة الـ53 (29 يونيو/ حزيران ـ 7 يوليو/ تموز 2018) لـ"مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي"، يتمثّل بتكريم سينمائيين اثنين، الأول تشيكي يُساهم بتجديد سينما بلده المُقيم في المعسكر الاشتراكي، قبل أن يغادر إلى "الغرب" كي يصنع انقلابًا في بعض مفاهيم العلاقات القائمة بين الفنون، خصوصًا الصورة والموسيقى (ميلوش فورمان)، والثاني أميركي يمتلك حسًّا سجاليًا وانتقاديًا، حادًّا غالبًا، إزاء أهوال بلده المتورّط في خرابٍ داخلي جرّاء سياسات متهوّرة، وفي تخريب العالم جرّاء أفكار عنفية وفاسدة (تيم روبنز).

وإذْ يفتتح الثاني خطاب التكريم باختيار لحظات أساسية من لقاءاته بالأول، فإن الأول يبقى في ذاكرة الفن السابع أحد السينمائيين القلائل الذين يُدركون معنى خوض مغامرة الانقلاب والمواجهة، طالما أن هذا العالم مليء بالاضطرابات والمآزق، وطالما أن النفوس البشرية مرتبكة ومقهورة ومنعزلة. والتكريم الثنائي هذا متوافقٌ ومسار المُكرَّمين، اللذين يلتقيان ـ وإن بأشكال مختلفة ـ عند نمطٍ حياتي وسلوك إنساني يجدان في السينما قولاً لن يخلو البتّة من جوانبه الفنية، فهو قولٌ يحرّر نصّه البصريّ من خطابية فجّة، موليًا أهمية أساسية لصُورٍ مستلّة من وقائع العيش اليومي في ارتباك التحوّلات القاسية.

في تلك الليلة، وفي صالة تتّسع لنحو ألفي مقعد، يجتمع المُكرّمان بكلمة وصورة وموسيقى. فالأميركي تيم روبنز لن يتنصّل من واجبٍ أخلاقي وثقافي وإنساني إزاء التشيكي الأميركي الراحل ميلوش فورمان، مستعيدًا بدايات معرفة بينهما في لوس أنجليس قبل سنين مديدة، ونقمة الراحل على نمط تعليمي واشتغال مهني في سينما يُريدها مغايرة تمامًا لمألوف تلك الفترة. لكن روبنز ـ الذي يروي وقائع ومواقف مستمدّة من مسلك ثقافي متكامل له، ينعكس في مواجهة ضارية لإدارة أميركية تُرهق المواطن والاجتماع والاقتصاد والعلاقات بكمّ هائل من التمزّقات والانحلال ـ لن يغفل شخصية تشيكية أخرى لها ثقل حيوي في صنع لحظات مجيدة لذاك البلد، فاكلاف هافل.

هذا جزءٌ من التزام "مهرجان كارلوفي فاري السينمائي" إزاء السينما وحضورها في العالم. فالمهرجان ـ المؤسَّس عام 1946، مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ونشوء المعسكرين الغربي والشرقي ـ يختار، في أعوام ما بعد انتهاء الاتحاد السوفياتي، مهمّة تقديم سينما البلدان الشبيهة ببلده، تلك الواقعة في أوروبا الوسطى والشرقية، لمواكبة نهضتها وتطوّرها وآليات اشتغالاتها الجمالية في قراءة أحوال الاجتماع والأفراد، ماضيًا وحاضرًا، بلغة سجالية ترتكز على مفردات الصورة والقول البصري.

لذا، يُصبح تكريم ميلوش فورمان وتيم روبنز في افتتاح الدورة الجديدة تأكيدًا على صوابية الخيارات الثقافية والفنية لمهرجانٍ ينفتح على العالم العربي أيضًا، لمُعاينة أحوال جغرافيا تنوء تحت ثقل تمزّقات حادّة. فسجالية السينمائييَّن، وإنْ باختلاف كيفية التعبير عنها بينهما، ركيزة لسينما تكشف وتبوح، تمامًا كما المهرجان الراغب في "نبش" أفلام تكشف وتبوح، وبعض النتاج العربي منضوٍ في الإطار نفسه.

المساهمون