عن انهيار مفهوم العودة

عن انهيار مفهوم العودة

08 اغسطس 2019
+ الخط -
سورية تفكّكت لدرجة عدم صلاحيّة مفهوم "العودة" الذي يرافق عادةً أزمات اللجوء الكُبرى.

من كبر ونشأ في سورية، ولم يخرج منها في فترة الحرب التي ستدخل عامها العاشر قريبًا، ومن عاشَ في إحدى المناطق المقسّمة، تارةً بشكل تام وتارة بشكل جزئيّ، عن المناطق الأخرى، يمتلك إحساساً مختلفاً وعلاقة أخرى مع الهوية السورية.

حركة الناس بين القامشلي ودمشق مثلاً، الآن، لا تقارن بالحركة قبل عام 2011، وهي أقلّ بما لا يُقاس. والحركة بين دمشق وحلب شحيحة، وبين إدلب وباقي سورية شبه معدومة.

أعتقد أنّ ثمة شبابًا مراهقين في إدلب الآن لم يروا مدينة دمشق في حياتهم، لصعوبة التحرّك في واقع التقسيم الفعليّ. علاقتنا نحن، من خرجنا قبل تكرُّس واقع التقسيم الحربي، مختلفة (وهو يصنّف كتقسيم خطوط جبهات حربيَّة، وليس كتقسيم سياسي ثابت. في بعض الحالات في التاريخ استمر 20 عامًا، ولكنَّه لا يؤدّي بالضرورة إلى تقسيم سياسي)، نحكي عن دمشق وحلب ومختلف المدن السورية، لأننا زرناها على الأقل قبل التقسيم. ثمّة جيل بالملايين ينشأ الآن، ويمتلك صورة مختلفة كليّاً عن سورية. العودة لدينا هي القدرة على الدخول إلى كل المدن السورية، هي رجوعٌ إلى كل سورية. أمّا العودة للمقيم في قطعة ما من سوريّة المقسمة، هي عودة إلى ذلك القسم فقط. 

والمؤلم في الأمر: إذا نقلتَ شخصاً كبر في إحدى القطع إلى قطعة أخرى مجاورة، فسيحلم… بالعودة!

دلالات

دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية:

مدونات أخرى