عن المقاومة وداعميها.. نقد السردية الإخوانية
أهم داعمي المقاومة هو الشعب الذي يحتضنها (Getty)
ليس ثمّة أسرار في عصر ما بعد "ويكليكس". كل شيء، تقريباً، أصبح على المكشوف، سواء في دعم المقاومة في فلسطين، أو في التآمر عليها. لكن انتصار المقاومة في غزة شجَّعَ الإخوان المسلمين على إعادة إحياء سياسة الاستئثار. فما انتهينا من احتكار المظلومية، إلا ودخلنا في احتكار دعم المقاومة.
قبل الربيع العربي، كنا نرزح تحت وطأة نزاعات محورَيّ الممانعة والاعتدال، بما يمثلان من مشاريع، وكانت الأمور محسومة للطرفين، الأول، مع خيار المقاومة المسلحة. الثاني، مع خيار السلام والتفاوض، وكانت الأنظمة العربية، بلا استثناء، تستثمر عدالة القضية، ومركزيتها في الوجدان العربي والإسلامي، لكي تعزز من رصيدها الشعبي، ومع هبوب رياح التغيير التي أطلقها الربيع العربي، راودنا الأمل بالخلاص من سياسة المَحاور في المنطقة، من خلال تشكل دول ديمقراطية، تدعم قضايانا التحررية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينة. لكن، يبدو أننا بالغنا بعض الشيء، فها هي عقارب المحورين تعود بنا إلى حيث كنا.
الآن، نحن على أعتاب انتصارٍ جديدٍ للمقاومة في غزة، ويهمنا كثيراً، الفرز، من مع المقاومة، ومن ضدها، ومعرفة من يدعمها بالسلاح والمال والسياسة، ومن يستثمر انتصاراتها من دون أن يدفع ديناراً. وذلك للوقوف على أصدقاء الأمة، وأعدائها، والمتاجرين بقضاياها. ويهمنا أيضاً، وبالدرجة نفسها، التذكير بأن دعم المقاومة عمل نبيل يُشكر عليه كل من يقدمه، إلا أنه لا يعطي شهادة براءة على دعم الطغيان نهائياً.
بات واضحاً أن أداء المقاومة وسلاحها وطريقة قتالها تطورت كثيراً منذ عملية "عمود السحاب" ،2012 وصولاً إلى عملية "الجرف الصامد"، أو"العصف المأكول"، كما تطلق عليها فصائل المقاومة في غزة. وهذا التطور النوعي، سواء في السلاح المستخدم من المقاومة، كـ"الكورنيت" و"فجر" وغيرها، أو في التكتيكات القتالية، مثل حرب الأنفاق، تحتاج إلى عمل دؤوب وشاق، خصوصاً، في ظل قطاع محاصر من جميع الجهات. وعليه، تحتاج هذه المقاومة، لكي تنتصر، أكثر من خُطب رجب طيب أردوغان بكثير. أما لماذا التركيز على أردوغان، وإخوانه في الوطن العربي دون غيرهم، فلأنه أكثر "الملعلعين" على المنابر والمنصات، وأقلهم عطاءً على الأرض، وأكثرهم تعاملاً مع إسرائيل على المستوى التجاري والسياحي، فقد زاد حجم التصدير التركي لإسرائيل من ملياري دولار العام 2010 إلى 2.4 مليار دولار 2011 ، أي بعد عام على حادثة سفينة مرمرة، بحسب تقرير نشرته "الجزيرة نت".
وتأخذ العلاقات التركية الإسرائيلية منحىً تصاعدياً، لا العكس. بالمناسبة، حملة فك الحصار عن غزة (مرمرة) حملة شعبية، لا علاقة لحزب العدالة والتنمية بتنظيمها. أكثر من ذلك، أثناء العدوان على غزة، أوقفت شركات طيران كثيرة رحلاتها إلى مطار تل أبيب، إلا أنك تستيطع حجز رحلتك من اسطنبول إلى تل أبيب، والعكس، عبر الخطوط الجوية التركية.
قطر على سبيل المثال، تستضيف قادة المقاومة، وتُسخّر وسائل إعلامها دعماً للقضية الفلسطينينة، وتتعرض لضغوط جراء علاقاتها المميزة بحركة حماس، كما تتهمها إسرائيل بدفع رواتب 48000 موظف في حكومة غزة، بحسب تقرير صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية. لكن، ماذا يفعل أردوغان أكثر من التصاريح؟ لاشيء، فكيف توضع مع تركيا في مستوىٍ واحد.
على الجانب الآخر، نجد دولاً أخرى تدعم المقاومة دعماً حقيقياً، يساهم في تعزيز قدراتها وصمودها، ومع ذلك، لا يتم الاحتفاء بها، وأحياناً، تتم محاولة تجاهل دورها، والتقليل من أهميته، أو نسفه تماماً، بسبب الخصومة السياسية، ومن أجل الحفاظ على روح السردية الإخوانية عن المقاومة وداعميها، ومن هذه الدول، على سبيل المثال، إيران والسودان، فحكومة الخرطوم تتحمل القصف الإسرائيلي، والضغط الأميركي والأوروبي، أولاً لأنها وفرت فوق أراضيها مصانع للسلاح المتدفق على غزة، وثانياً، لكونها ممراً لعبور الأسلحة الإيرانية القادمة من ميناء بندر عباس إلى سيناء ثم إلى غزة، وهو ما تناوله بالتفصيل تقرير للصحافي الإسرائيلي، يارون فريدمان، بعنوان "إيران تنقد حماس من الأفلاس".
وفي تناقض صارخ اعتبر الإخوانيون أن الدعم الإيراني قد توقف عن حركة حماس، بسبب الثورة السورية منذ العام 2012، أي تقريباً، في فترة حكم الرئيس المصري محمد مرسي، التي امتدت عاماً، ومثّلت الفترة الذهبية في تهريب السلاح إلى غزة، بحسب المصادر الإسرائيلية والغربية، ولا شك أنها كانت كذلك. لكن، نتيجة للفوضى التي لحقت بمصر بعد ثورة يناير، وليس بدعم من مرسي الذي فضل دور الوسيط بين الإسرائيليين وحماس، تماماً كما كان يفعل من سبقه، لكن السردية الإخوانية تتوقف عند إنجازات مرسي، لكي تكون الجماعة هي المنافحة عن الديمقراطية، وهي، وحدها، أيضاً المتصدية للمقاومة في المنطقة، وعلى الجميع عدم تفويت فرصة شرف الانضمام إلى ركبها. لذا، هي لا ترغب في تكملة تفاصيل القصة، والإجابة عن، من أين يأتي السلاح؟، وكيف يتم تجهيز المقاتلين؟، لكي لا تقع في حرج الاعتراف بدور الآخرين.
المقاومة أكبر من جميع التيارات، والأحزاب، والدول، التي تسعى إلى اختزال وجودها. لا منّة لأيٍّ كان في دعم المقاومة، هذا واجب قومي وأخلاقي. والمقاومة تنتصر بإرادتها المدججة بالصواريخ، والأسلحة المتطورة، والخطط العسكرية، لا بالخطب العصماء، ولا بالدعاء الصالح.