عن المقاومة الراهنة في فلسطين
مقاوم فلسطيني في غزة (يوليو/2014/أ.ف.ب)
تقول معطيات التاريخ وتجارب الدعوات والدول وحركات المقاومة والجهاد، في صعودها وانتصاراتها، إنه في الفترات التي تسبق تمكنها، ودحر عدوها، يتخذ منحنى تفوقها شكلاً تصاعدياً، ولا يزال أمرها في إقبال، وأمر عدوها في إدبار، فتخرج من كل معركة بنصر، أو تكسب أرضاً جديدةً، أو ينضم إلى قضيتها مؤمنون وداعمون جدد، حتى يكتمل شأنها، ويستوي على ساق التمكين.
هذه الحالة، تقول شواهد الواقع إن الجهاد الفلسطيني ضد الغاصب الصهيوني دخلها منذ سنوات، يمكن أن يختلف تاريخ بدايتها (انتفاضة الأقصى مثلاً)، ولكن، لن تختلف النتيجة؛ وهي خروج المقاومة من كل محطةٍ، بمكاسب استراتيجية جديدة، بالمعنيين، العسكري البحت والاستراتيجي الأشمل.
مثلاً، خرجت المقاومة من انتفاضة الأقصى بإحياء دور الشارع العربي والإسلامي في احتضان القضية، بعد سبات التسعينيات، وخرجت من حرب الفرقان بكسب تعاطف الرأي العام الدولي، وخرجت من كل المحطات مجتمعةً بكنس خيار المفاوضات، ورفع معنويات الشعب الفلسطيني، وصبره على الثمن اللازم للجهاد والتحرير، واحتضان المقاومة، مهما كلف ذلك.
أثمرت هذه الحصيلة الكلية مكاسب جديدة، أكثر تفصيلاً، هي التي تأتي اللحظة الجهادية الحاضرة تتويجاً لها، إذ تتميز بتزامن مواجهة عسكرية بين العدو والمقاومة في غزة، تقودها حركة حماس وهي خارج الحكومة لأول مرة، مع بشائر انتفاضةٍ شعبية في الضفة الغربية، لا يعرف العدو متى تنفجر في وجهه، لكن مؤشراتٍ عديدةً، توحي بقربها منها أن الفترة التي فصلت بين انتفاضتي الأقصى (2000) والانتفاضة الأولى (1987) مر مثلها، أو يزيد قليلاً، وهو أمر يتجاوز الدلالة الرقمية إلى معان اجتماعيةٍ، ليس أقلها أن جيلاً جديداً من أجيال أطفال الحجارة ولد وتربى وتهيأ، لأخذ دوره في الرجولة المقاومة!
وتتميز اللحظة الراهنة بوجود دماء جديدة في النضال الفلسطيني، قيادة ومشاركة، ويظهر ذلك في حمل سكان القدس راية الانتفاضة الكامنة، وتحول المدينة المقدسة عنواناً للانتفاضة، وقائدة لها، وخزاناً لدفع ثمن النصر المرهق، بعد أن قادت مناطق، مثل جنين ونابلس وطولكرم، جهد البذل والتضحية في الانتفاضات السابقة، وينطبق الأمر نفسه على الخليل. وثمة في هذه اللحظة الجهادية الخاصة في فلسطين التحام واحتضان غير مسبوق في مدن فلسطين المحتلة عام 48 للمقاومة والنضال الفلسطيني، تمثل في الاحتجاجات والغضب الجماهيري.
ومهما تكن، إذن، تطورات الحملة الظالمة التي أطلقتها دولة الكيان الصهيوني ضد الصامدين في غزة، ومهما تكن فداحة الهمجية التي سوف تتبعها، لكسر إرادة الشعب المقاوم، ومهما تكن طريقة المقاومة في الرد عليه، وقدرة وسائلها في مواجهته، فإن المعركة تنطلق، وعوامل القوة المعنوية في صف المقاومة بوجود جبهة داخلية، واعية بما عليها فعله، ومستعدة لتحمل تكاليفه، في مقابل كيان فاقد البوصلة، خائر المعنوية، متآكل العقيدة، مشتت الصف، حتى على المستوى القيادي (تنابز أفيغدور ليبرمان وبنيامين نتنياهو مثلاً)