عن المعارضة السورية المسلحة

عن المعارضة السورية المسلحة

08 سبتمبر 2019
+ الخط -
لا يتوهم كاتبُ هذه الزاوية أن لديه آراء صائبة في القضايا المهمة التي تُطرح على بساط البحث في الشأن السوري أو غيره. كل ما يبتغيه، بعد ما يقارب تسع سنوات من عُمر المقتلة، أن تجري مناقشةُ هذه القضايا بشيءٍ من الأناة والتبصّر والموضوعية، فهذا أقل ما يمكننا فعله، نحن المعارضين العُزَّل. جرى الحديث، في مقالة الأسبوع الماضي (لا يمكن أن تكون سورية ديمقراطية) عن النظام والمعارضة والشعب، وزعمت المقالة، في خاتمة المطاف، أن إقامة نظام ديمقراطي في سورية غير ممكنة، لأن نسبة قليلة جداً من السوريين يريدون الديمقراطية، والباقون ينفرون منها، إن لم نقل يناصبونها العداء، فكراً وسلوكاً.. وبالأخص نظام الأسد، فهو موغلٌ في الشمولية والديكتاتورية إلى درجة أنه عمل، منذ انقلاب الحركة التصحيحية 1970، على إبادة أي جسم سياسي معارض يقع ضمن حدود البلاد السورية، بل واللبنانية.. 
سمعتُ، ذات مرة، نقاشاً بين صديقين حول مفهوم "المعارضة".. احتدَّ أحدُهما وقال للآخر: كَبّرْ عقلك يا زلمة. بدّك معارضة في ظل نظام حافظ الأسد؟ يبلغُ رأي هذا الرجل، رغم انفعاله، قمةَ الدقة والإصابة، فحافظ الأسد حينما كان يُلقي الأشخاص المعارضين في السجون والمعتقلات ما كان يسمح لأي نوع من الكائنات بمعرفة أماكنِ سجنهم، أو المُدَدِ التي سيمضونها في تلك الأماكن الفظيعة، ولم يكن أقربُ المقربين إليه ليجرؤ على سؤاله عن مصيرهم. وفي المرة الوحيدة التي تعرّض لهذا السؤال أجاب: ليحمدوا الله على أننا سَجَنَّاهم وحدهم ولم نسجن أهاليهم معهم! (كان صدّام حسين يقول: إحنا ماكو عندنا معارضين، أكو شوية عملاء وخونة.. ومن مقولات القذافي العجيبة: من تَحَزَّبَ فقد خان).
عندما تطرّق الحديث إلى المعارضة، فاتنا أن نقول أمراً نعتقد بأهميته؛ وهو أن مفهوم المعارضة، أساساً، سياسي، مدني، بل وديمقراطي، ويستحيل أن يكون مسلّحاً. من الممكن الحديث عن تمرّد مسلح، أو ثورة مسلحة، أو ثورة سلمية تحولت إلى ثورة مسلحة، مثلما حصل في الثورة السورية التي انطلقت في أوائل سنة 2011.. أما مصطلح "المعارضة المسلحة" فهو خاطئ قولاً واحداً، وجملة وتفصيلاً. ومع ذلك أصبح الآن شائعاً ومُعْتَمَدَاً في معظم الصحف والمحطات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية العربية، مع الأسف.. وكثيراً ما نقرأ أو نسمع خبراً منقولاً عن المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يديره رامي عبد الرحمن من لندن أن "قوات المعارضة السورية" شنت هجوماً على مواقع للنظام في المنطقة الفلانية، أو أن الطيران السوري والروسي قصف مواقع تابعة للمعارضة السورية في المنطقة العلانية.. أضف إلى ذلك أن الصحافة تستخدم مصطلح "المعارضة المسلحة" سواء أكان المقصود هو الجيش الحر، أو الفصائل الجهادية.. على سبيل المثال، جاء في خبر نشرته "الشرق الأوسط" الخميس الماضي (5 سبتمبر/أيلول 2019) أن فصائل المعارضة في إدلب تصدّت لهجوم شنته القوات الحكومية السورية والروسية على محور بلدة "إعجاز" في ريف إدلب.
لسنا وحدنا الذين ننفي عن الفصائل الجهادية الصفات التي نراها محمودة، كالوطنية والثورية والديمقراطية، فهي نفسها تتبرّأ منها من دون أي لُبْس، والصور التي تملأ فضاء الإنترنت المنتشرة في مناطق سيطرة هذه الفصائل لا توارب في هجاء الوطنية، باعتبارها دعاوى ماسونية، والعَلمانية، باعتبارها دين الغرب، والديمقراطية، لكونها كفراً صريحاً.
حاول بعض المعارضين، خلال السنوات الأولى للثورة، وخصوصا حينما ضعف الموقف العسكري لنظام الأسد وتقلصت المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها، تَبَنِّي هذه الفصائل، ودعمها، والاستفادة من تفوقها العسكري، من دون تمييز بين معتدلة منها ومتشدّدة، ولكنهم أصيبوا بخيبات أملٍ كبيرة، فقادة تلك الفصائل ما كانوا في وارد التنازل عن مواقعهم القيادية لهؤلاء المعارضين، بل واستطاعوا الإقلال من شأنهم، من خلال لافتاتٍ رفعها متظاهرون في مناطق الداخل، تغمز من قناة هؤلاء المعارضين بأسمائهم الصريحة، أو بالهيئات السياسية التي ينتمون إليها.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...