عن الصورة في لبنان

عن الصورة في لبنان

13 نوفمبر 2018

من كتاب "عن الصورة في لبنان"

+ الخط -
"عن الصورة في لبنان" عنوان عمل فنّي ضخم، يقع في نحو 383 صفحة، أصدرته أخيرا دار كاف في نسختين، إنكليزية وفرنسية، بالتعاون مع مصرف بيبلوس، وفيه يجتمع نحو 40 مساهما ليشاطرونا نظرتهم إلى الصورة. ورؤيتهم لها في إطار مكاني معيّن هو لبنان. مجموعة من الأسماء اللامعة في مختلف المجالات، باحثون وأدباء وفنانون ومصوّرون وسينمائيون ومتخصّصون، يقدّمون لنا مقارباتٍ مشوّقة، تتراوح بين الحوار والتحليل والمقالة الفلسفية والعلمية والأدبية والفنية، تتموضع في أبوابٍ لا تتّبع منهجا بعينه، بقدر ما تخلق فضاء مفتوحا، تتحاكى فيه الأفكار والصور التي عددها 380 صورة، والتي تغطّي فترة تمتد ما بين أواسط القرن التاسع عشر وأيامنا هذه (1842- 2018).
في التقديم الذي يحمل توقيع كليمانس كوتار هاشم، وهي التي أشرفت مع نور سلامة على هذا العمل الجماعي، تطرح كليمانس أسئلة عدة، هذا بعضها: ما هي الصورة وما هو وقْعها، وهل تبني الصور التاريخ، وتروي حكايا شعب وأرض؟ هل يمكننا الحديث عن كتابات تصويرية معينة، أو عن تاريخ الصورة في لبنان؟ الإجابات، كما جاءت في الكتاب، لا تعكس فقط تعددية أبعاد الصورة أو النظرة، وإنما أيضا، وبشكل خاص، الجوانب الاستثنائية التي تميّز المجتمع والأرض المنتمية إليهما.
في حوار أجرته معها، تقول الشاعرة إيتيل عدنان إن اللوحات لم تكن موجودة على جدران المنزل في مرحلة طفولتها، بل صور أخذت لأفراد العائلة، هي في سنّ معينة، ووالدتها، ثم هي مع والدتها. هكذا كانت العادة في البيوت الأخرى. في مطلع القرن العشرين، بدأ استخدام الصور ينتشر أكثر فأكثر، متحوّلا إلى ما يشبه طقسا اجتماعيا، يرافق بعض المناسبات الخاصة والأعياد، وذلك بفضل المصوّرين الأرمن الذين بدأوا يفتحون محلاتٍ خاصة للتصوير، جريا على عادة الأوروبيين قبلهم. تلك الصور التي كان يجري إخراجها في الاستوديو، ضمن ديكورٍ معيّن تتكوّن خلفيته من صورةٍ لمشهد طبيعي، أدّت إلى نشوء نوعيةٍ جديدة من تصوير الذات. في الثلاثينيات، اشتهر استوديو آبل في بيروت، وفيه "احتككت للمرة الأولى بحساسيةٍ فنية، إذ كانت نظرة جديدة إلى العالم تتفتّح فيه".
القراءات متنوّعة، والمقاربات ثرية، والأسماء عديدة ومتميزة، فإلى جانب عدنان، سوف نجد مقالات لدومينيك إدّة، وفؤاد الخوري، وغسان سلهب، ومنال خضر، وبرنار خوري، وغرغوري بوشاكجيان، وأوليفر روهي، وكثر آخرين لا يتسّع المجال هنا لذكرهم ويجيئون من اختصاصاتٍ مختلفة من بينها علم الآثار، والهندسة المعمارية، والتصوير، والأدب، والسينما، والرواية، والشعر... إلخ.
كثيرٌ من صور لبنان ستحضر إلى عين القارئ، من المناظر الطبيعية التي كانت تصوّر بهدف استجلاب السياح إلى – الأرز، بعلبك، طرابلس – إلى صور بيروت في فترتها الذهبية، وصولا إلى صور العاصمة المدمّرة التي عرفت ألف هزّة وهزّة. أيضا، سيتعرّف القارئ إلى عيون عدد كبير من المصوّرين المحترفين، من أمثال مانوغ أليميان ورولان صيداوي وأدريان بونفيس وبول ديشان وفارتان أفاكيان وزياد عنتر وأكرم زعتري ورنا مطر ووليد رعد وجوانا حاجي توما وخليل جريج، وسواهم من المصوّرين القدماء والمحدثين، اللبنانيين والأجانب.
لبنان، مختصرا في 40 نظرة متناقضة، أو متقاربة، ضمن مقارباتٍ علميةٍ، فنيةٍ، فلسفيةٍ، أدبية، أو اجتماعية، هذا كله لكي يتم نبش واقع تعدّدي، معقد، مركّب، متضارب، يصعب القبض عليه من زاويةٍ واحدة. والنتيجة؟ صورة عن لبنان متعدّدة الأبعاد، متفاوتة المستويات، متنوّعة المصادر، تنضح بجمالياتها وشاعريتها ومعلوماتها وغناها.
"عن الصورة في لبنان" عملٌ قيّم بالفعل، يمتاز بعمق تحاليله ومداخلاته، وبثراء ما يحتويه من صور ومعلومات، وهو، في أسوأ الأحوال، كتاب صور جميل، لمن لا يهمّه أن يبحث في أصول الصور وأبعادها.
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"