عن الشعب والإعلام والأحزاب والتغيير في الجزائر

عن الشعب والإعلام والأحزاب والتغيير في الجزائر

26 مارس 2019
+ الخط -
قبل كل انتخابات في الجزائر سواء كانت رئاسية أم تشريعية يعود نفس النقاش عند المعارضة حول المشاركة في الانتخابات من عدمها، لكن بعد كل انتخابات دائما ما كان الخاسر الوحيد هو تلك المعارضة التي فضلت ترك المقعد شاغراً، فلم يسبق وحدث أن ألغيت نتائج انتخابات لأن المعارضة لم تشارك فيها أو أنها نجحت في تعبئة المواطنين لرفض الانتخابات ونتائجها.

هل وصل ذلك الشعب الذي خاض الثورة التحريرية إحدى أكبر الثورات الاستقلالية في القرن العشرين إلى مستوى من الفراغ والرداءة إلى درجة أنه من بين الأربعين مليون جزائري اليوم ولا أحد منهم يصلح ليكون مرشحاً للانتخابات ليواجه مرشح النظام، أم أن الجزائريين لم يعودوا يؤمنون بالانتخابات وبالعمل السياسي والنضالي للوصول إلى السلطة، أم أن لديهم نظاما آخر مخالفا للانتخابات لاختيار من سيقومون بتسيير وتدبير شؤون بلدهم مثلما تقوم به السترات الصفراء في فرنسا في هذه الأيام مثلا؟.. حتى الآن الجواب هو: لا.

لا يمكن الوقوف على تدهور مجال من المجالات في الجزائر إلا وكانت العشرية السوداء سببا في ذلك، فقد تراجعت الجزائر عشرات السنين، ففي هذه العشرية الدموية خيرة أبنائها قتلوا أو هاجروا إلى الخارج للنجاة بأرواحهم.

أكيد أننا لسنا في ديموقراطية ولا يوجد فصل بين السلطات ولا احترام للحريات، وحتى الديموقراطية لديها عيوبها ونقائصها، والنظام القائم وفي سعيه للاحتفاظ بالحكم- والبحث عن البقاء في الحكم هو ما يقوم به كل من وصل إلى الحكم، وحتى الكثير من الثوريين انتهوا ديكتاتوريين، تسبب في ما وصلنا إليه اليوم من يأس وإحباط لدى المواطن إلى درجة أن الجميع يريد التغيير، لكن في الواقع ما يقوم به يكرس استمرارية هذا النظام وذلك باستمرارية الثقافة التي زرعها في المجتمع من استتباع ونشر للكسل، وذلك بتوزيع الريع على كل من يمكن له أن يزعجه، وإحداث تغييرات شكلية من حين لآخر تقدم على أنها إصلاحات لكن الهدف منها ليس سوى تحقيق استمرارية النظام.


سواء كان ذلك عن قصد أم دون قصد، إلا أن الإعلام، الذي يصور لنا الشعب والمعارضة كقصر ويندد اليوم بالرداءة في الساحة السياسة، قد ساهم في خلقها وفي تنفير المواطنين من السياسة ومن الاهتمام بالأمور التي تعنيهم.

فالإعلام ليس مجرد مرآة تعكس صورة المجتمع فقط، بل له دور وتأثير في رسم تلك الصورة. وحتى أثناء نقله الأخبار أو عرضه برامج ترفيهية أو رياضية، الإعلام يصنع الرأي العام وهو من يختار ويطرح مواضيع النقاش العام.

وسواء تعلق الأمر بالقنوات التلفزيونية الخاصة أو الجرائد التي تعيش حصريا بالريع الإشهاري، فوسائل الإعلام عندنا لم توفر للمواطن حقه في الحصول على المعلومة ليفهم ما يحيط به. فحتى مع كل ما تعانيه حرية الصحافة بالجزائر من انتهاكات، إلا أنه مثلا من السهل على أي صحافي البحث في رفوف أقرب مكتبة أو الاتصال بأقرب جامعة أو مركز بحث لتوجيهه نحو المختصين لمناقشة والتعليق وإنارة الرأي العام حول قضايا الساعة بدلا من دعوة نفس الشخص للحديث حول السياسة، ثم الرياضة، ثم الاقتصاد، ثم الثقافة.

هذا الوضع إضافة إلى كونه رسمَ صورة سوداء لجزائر لا وجود فيها سوى للرداءة، رداءة ساهم الإعلام في نشرها وذلك بتحويله إلى فزاعات لا قيمة لما تقول حينما تدعي التفكير والتحليل، ولا وجود ولا تأثير ولا وزن لها في المجتمع حينما تدعي النضال، إلى شخصيات عامة منحها الصفحات الأولى في الجرائد وساعات في بلاتوهات التلفزيونات، وأدخلها إلى بيوت الجزائريين وروج لها ولصورها ولهرائها، وفي المقابل فرض الحصار على المؤثرين الفعليين ممن يفكرون ويعملون من أجل مصلحة المجتمع.

لا يمكن إحداث التغيير دون الوصول إلى السلطة ولا يمكن الوصول إلى السلطة دون إرادة الشعب ولا يمكن كسب إرادة الشعب دون الحوار معه، وتقديم الحلول لانشغالاته ومشاكله وتقديم البديل من النظام الحالي.

أما الوصول إلى السلطة بطريقة أخرى كما ينتظر البعض، أي أن يحمله الجيش على ظهر دبابة لقصر المرادية أو أن يمنحه النظام الحالي مفاتيح القصر الرئاسي أو أن تمنحه إياها القوى الكبرى، أو يكتفي بالاستفاده بما يوزعه عليه النظام من "كوطة" كما توزع السكنات الاجتماعية على الفئات الهشة، فلن يكون سوى مجرد تغيير للأشخاص وتبادل للأدوار.

فلا يمكن لمن هو في السلطة أن يتنازل عنها ويتنازل عن مصالحه دون أن يمارَس ضغط عليه، ولا يمكن للجيش أن يضع أحدهم في السلطة اليوم دون أن يملي عليه ما سيفعله غدا، ولا يمكن للقوى الكبرى أن تدافع عن الديمقراطية والحقوق في الحريات في الجزائر نيابة عنا بل ما ستدافع عنه وما سيهمها هو فقط مصالحها ولن تساند إلا من سيضمن لها بقاء تلك المصالح.

الديمقراطية أي تطبيق إرادة الشعب لن تأتي من نخبة مثقفة لا تزال في أبراجها العاجية تخاطب الشعب بلغة لا يفهمها حتى، ولا من نخبة سياسية لا تعرف الشعب إلا في الانتخابات وحين لا يحملها على الأكتاف فلا تجد حرجا في اتهامه بالجهل تارة واتهامه بالجبن تارة أخرى، نخبة ساهمت هي الأخرى في إنتاج الوضع الحالي. غياب الديمقراطية في أحزابنا أدى لإحباط مناضليها، وبالتالي إخفاق هذه الأحزاب وبالتالي إحباط المواطنين ونفورهم منها ومن مبادراتها.

صحيح أن المعارضة والأحزاب من جهتها تعاني التضييق، لكن كيف يمكن لحزب لا يعرف حتى عدد منخرطيه ولا يملك ولا حتى صفحة "فايسبوك" ولا ينشر ولو بيانا في الشهر ولا يقوم بتكوين مناضليه ولا يروج لأفكاره أن يقنع أحدا بأنه هو البديل؟

الديمقراطية هي نضال وعمل، والتغيير الذي نريده لن يأتينا به "المهدي المنتظر" ولن نصل إليه بتحريك عصى سحرية، بل لن يكون سوى نتيجة سنوات من الكفاح والتضحية؛ فكما كان استقلال الجزائر في 1962 نتيجة للثورة التحريرية في 1954 والتي سبقتها توعية ونشر للحس الوطني لدى الجزائريين ووجوب الكفاح لإخراج المستعمر، فكذلك هو بناء الديمقراطية.

ما سيبني الديمقراطية هو كل فكرة وكل عمل مهما كان صغيرا: إنشاء جمعية، الانخراط في حزب، النضال في نقابة، عرض لفيلم..الخ، وكل ما يجمع المواطنين ويشجعهم على الحديث والنقاش حول ما يعنيهم والبحث عن الحلول وذلك طيلة أيام السنة وليس فقط عند كل مناسبة انتخابية.

الترشح للرئاسيات المقبلة إن كان بهدف تقديم برنامج واقتراحات للخروج من الأزمة التي نحن فيها في الاقتصاد، التعليم، الصحة، الشغل.. فحتى ولو أن النتائج حسمت مسبقا فهو خطوة نحو التغيير، أما الاكتفاء ببيان أو ندوة صحافية للإعلان عن مقاطعة الانتخابات بدعوى أن نتائجها محسومة مسبقا، فلن يخدم أحدا سوى النظام، ولا يختلف كثيرا عن أولئك الذين كانوا ضد الثورة أثناء الفترة الاستعمارية بدعوى أنه قضاء وقدر.