عن الخارجين من معطف سليماني

عن الخارجين من معطف سليماني

10 يونيو 2020
+ الخط -
ماذا يعني قرار رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، فك ارتباط مليشيات "الحشد الشعبي" بالقوى والأحزاب السياسية، وإلحاقها بالقوات المسلحة النظامية؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبار القرار حلا لمشكلة كبيرة استعصت على الحل، وهل سيقبل القرار قادة المليشيات "الولائية" الخاضعة للحرس الثوري الإيراني، والتي استشرت في سلطتها، حتى شكلت "دولة عميقة" تقرّر وتعتقل وتسجن وتحكم، وتنفذ حتى أحكام إعدام من دون أن يجرؤ القضاء أو رجال الحكومة الكبار على مواجهتها أو ردعها؟ 
يقول دبلوماسي غربي عمل في العراق سنوات قبل الاحتلال وبعده، واختبر الواقع السياسي والاجتماعي فيه، إن ظاهرة توغل المليشيات في العراق أكثر تعقيدا مما يتصوره بعضهم، أو يراه الكاظمي، فأغلب قيادات تلك المليشيات خرجت من معطف قاسم سليماني، رجل إيران القوي الذي اغتاله الأميركيون، وتربّت في أحضان الحرس الثوري الإيراني، وبعضها تدرّب في قم وطهران، واكتسب مهارات القتل والقنص والعمل الاستخباري. ومعظم هذه القيادات، إن لم نقل كلها، تدين بالولاء والطاعة لإيران، وهي تعتبر أصلا مرجعها المذهبي هو خامنئي، ومن قبله الخميني، وهذه العلاقة تفرض عليها الاستجابة لتوجيهاته وتعاليمه، وليس لها الحق في مناقشتها. أضف إلى ذلك أن بعضها كان ضليعا في وقائع اغتيال وتفجير ضد شخصيات وأهداف عراقية وعربية زمن النظام السابق.
في المقابل، يعرف الكاظمي من خلال تجربته في المخابرات، وعلاقاته مع أكثر من مرجع دولي، أن العراق لا يمكن أن يصنّف دولةً سويةً، إذا كان يتحمل كل هذه القوى المليشياوية التي لا تجلب له سوى التصدّع والتهتك والإيغال في دماء أبنائه، وهو يدرك أيضا، وقد أصبح في موقع المسؤولية الأولى، أنه يحتاج إلى دعم المجتمع الدولي والمؤسسات الحاكمة في العالم، كي يحصل على ما يريده لبلاده، وليس أمامه سوى البحث عن مقاربة تقيد حركة هذه المليشيات، بوضعها 
تحت إمرته المباشرة قائدا عاما للقوات المسلحة، وقد قبلت إيران على مضض هذه المقاربة، تحت ضغط وضعها الداخلي الصعب، وبعد أن ضمنت أن رؤوس هذه الفصائل سوف تبقى سالمة، وأن "وكلاءها" النافذين في العراق يمكنهم ممارسة العمل السياسي، من دون التعرّض لمساءلة قانونية عما ارتكبوه من جرائم اغتيال وقنص واختطاف في السابق. وقد يتمكنون من قلب الطاولة، إذا ما توفرت لهم فرصة القيام بذلك مستقبلا. وكما كان قاسم سليماني لا يستطيع الذهاب إلى الظل، فإن تلامذته الذين خرجوا من معطفه، قيس الخزعلي وأبو آلاء الولائي وأكرم الكعبي وشبل الزيدي، وآخرين غيرهم ممن يقودون أكثر من أربعين فصيلا، لا يمكنهم هم أيضا الذهاب إلى الظل والبقاء فيه، وقد خطّطوا، منذ البداية، للعمل في السر والعلن على التماهي مع تجربة الحرس الثوري الإيراني، والتطلع لأن يكونوا القوة العسكرية الفاعلة والمقتدرة والموازية للجيش النظامي.
وفي قراءته قرار الكاظمي، يشكك الدبلوماسي الغربي، العارف بأمور العراق، في إمكانية أن تندمج تلك المليشيات، خصوصا الولائية، في القوات النظامية، وتشكل جزءا حيويا منها، لأسباب كثيرة، من بينها أن معظم أفرادها يحمل في أعماقه هوى إيرانيا، وقد يتحوّل إلى ما يشبه "مسمار جحا"، يمكن أن توظفه طهران في خدمة مآربها متى شاءت، إذ يصبح في إمكانه أن يقدم لها خدمة لوجستية عند الضرورة.
ما هو الحل إذن؟ يجيب الدبلوماسي الغربي المطلع: "الحل أن يُضم أعضاء المليشيات إلى أصناف القوات المسلحة النظامية كأفراد، بعد إخضاعهم لدورات تدريب وتأهيل، وأن تراعى في ضمهم قدرات ومهارات كل فردٍ على حدة، وأن يتم إلزامهم بالقوانين والأنظمة المعمول بها في الجيش. عند ذاك، يمكن أن نقول إن مشكلة المليشيات التي توغلت واستشرت قد حلت على نحو سليم، يحفظ لأفرادها حقوقهم الطبيعية بوصفهم مواطنين، ويضعهم في الإطار الصحيح لخدمة بلادهم على أسس وطنية، تتجاوز الانتماء الطائفي أو المذهبي، ويصون وحدة البلاد، ووحدة جيشها".
هل بمقدور الكاظمي أن يفعل ذلك؟ يجيب: "لا أظن، لأن المعطيات المتوفرة لا تجعله يفكّر في حل أبعد من المقاربة العرجاء التي تبناها، على الرغم من أن إعلانها لا يكفي وحده لنجاحها، إذ ثمة ما يجعلها منتهية الصلاحية منذ البداية. والإيرانيون ووكلاؤهم العراقيون يصطنعون الصمت والقبول، لكن عيونهم تظل مفتوحةً على ما يمكنهم فعله في قابل الأيام"!
583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"