عن الجوائح الآتية

عن الجوائح الآتية

03 مايو 2020
+ الخط -
يبدو أن جائحة كورونا ليست إلا بداية لمجموعة أخرى من الجوائح التي ستجتاح دول العالم كافة، غير أن تداعياتها الكبرى ستكون على تلك الفقيرة، والتي ستلجأ إلى المؤسسات الدولية للاقتراض، والرضوخ لشروطها التي سيكون لها كبير الأثر على الحياة اليومية للمواطنين. 
لبنان، على سبيل المثال، إحدى هذه الدول التي سبقت الجميع إلى صندوق النقد الدولي، في ظل شبح الإفلاس الذي يخيم على البلاد. الحكومة اللبنانية صادقت الأسبوع الماضي على ما قالت إنها "خطة الإنقاذ الاقتصادية"، والتي حملت بين طياتها شروط الصندوق، ومنها تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية، والذي لا يزال محل خلاف بين الأفرقاء السياسيين. وعلى الرغم من أن السعر حالياً باتت فعلياً محرّراً، أي أن لا التزام بعد اليوم بالسعر الرسمي، غير أن لبنانيين كثيرين كانوا يمنّون نفوسهم بتدخل صارم من الدولة يعيد سعر صرف الليرة مقابل الدولار إلى ما كان عليه قبل خروجه عن السيطرة في السوق السوداء. لكن يبدو أن هذه الآمال ستذهب أدراج الرياح في ظل التوجه الرسمي إلى تحرير سعر الصرف، ما يعني أن مصير العملة اللبنانية سيذهب إلى المجهول، على غرار ما حصل أخيراً في مصر، وبالتالي ستتآكل غالبية رواتب الموظفين، وخصوصاً في القطاع الحكومي، بعد أن تفقد الليرة قيمتها الشرائية. ومع الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان، والذي دفع الدولة إلى التخلف عن سداد الديون، يكون من المستحيل على الحكومة إعادة النظر في الرواتب، وهو الأمر الذي عادة ما يحصل في الدول التي تلجأ إلى تحرير صرف عملتها، وخصوصاً أن أي إعادة نظر من المفترض أن تأخذ في الحسبان السعر المرتقب للدولار مقابل العملة اللبنانية، والذي سيكون على الأقل ثلاثة أضعاف سعره الرسمي اليوم، الأمر الذي يتطلب مضاعفة الأجور، وهو غير ممكن على الإطلاق.
ستؤدي هذه الخطوة اللبنانية بالضرورة إلى ارتفاع كبير في عدد الفقراء، وزيادة الغضب الشعبي على الدولة، ما سيؤثر بالضرورة على الاستقرار الهش في البلاد، وخصوصاً إذا ما اقترن الأمر بفقدان كثيرين وظائفهم بفعل فيروس كورونا، والإغلاق الذي رافقه، إذ أدّى إلى إغلاق شركاتٍ كثيرة أبوابها، ولجوء آخرين إلى تخفيض الأجور نظراً إلى غياب الأعمال.
النموذج اللبناني هذا، وإن كان الأسرع في الظهور الآن، غير أنه سينسحب على دولٍ أخرى كثيرة، والتي كانت حتى الأمس القريب متردّدة في اللجوء إلى المؤسسات الدولية للاقتراض، لكن تداعيات الجائحة العالمية ستدفعها إلى حسم خيارها والتسريع في "إجراءات الإصلاح" التي تفرضها هذه المؤسسات قبل أن تقدم على تقديم القروض. والأمر هنا لا يتعلق فقط بالدول الفقيرة، فحتى الدول التي كانت تعد غنية سابقاً، باتت تطلب المساعدة الدولية، وخصوصاً في ظل الانهيار الكبير في أسعار النفط، والذي سيكون له أيضاً تداعيات على الاقتصادات الكبيرة تفوق ما خلفته جائحة كورونا.
الأمر نفسه يمكن قياسه على معدل فقدان الوظائف في العالم، والذي سيصل إلى الملايين، وهو ما أظهرته بعض الأرقام في الدول الغربية خصوصاً. إذ كشفت دراسة في بريطانيا قبل أسابيع عن أن 6.5 ملايين وظيفة تم إلغاؤها في البلاد بسبب تداعيات الإغلاق الناجم عن كورونا. هذه الأرقام ستنسحب على الكثير من الدول الأخرى، والتي قد ترى الملايين من مواطنيها في صفوف العاطلين من العمل، ما يعني بالضرورة زيادة معدلات المساعدات الاجتماعية، في الدول التي تقدم ذلك، أو زيادة كبيرة في معدلات الفقر.
واضحٌ أن جائحة كورونا، والتي تشغل العالم حالياً، ليست إلا بداية جوائح أخرى تتربص في الخفاء. والمعضلة أن مثل هذه الجوائح الآتية ليس لها لقاح.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".