عن التعديلات الدستورية في الأردن

في الأردن، حيث تبدو الأزمات لا تكف عن طرق الباب، أطل رئيس الوزراء، عبد الله النسور، معلناً عن قرب اجتراح تعديلات دستورية، وبتكليف ملكي مباشر، تحيل تعيين مديري الأجهزة الأمنية (المخابرات والقوات المسلحة)، وتحصرها بيد الملك.
بعضهم اعتبر ذلك قفزة متسرعة في الهواء، لا يعي الملك خطورتها وتبعاتها، لكن ذاكرتهم لم تسعفهم في ربط تصريحات الملك ولقاءاته في السنوات الماضية، مع بعضها ومطالبته بالتعديلات، خصوصاً لقاءه مع مجلة "ذي أتلانتك"، وعرض فيه تصوراتٍ كثيرة يفكر بها، والمرتكزة على قاعدة أن المشكل في الجذور لا في الأغصان.
وتسريعاً لهذه الخطوة، أحال مجلس النواب ملف التعديلات الدستورية إلى لجنته القانونية، بصفة الاستعجال، كونها تتطلب نقاشاً وبحثاً كثيرين، وترتبط بقرارات قادمة، أكثر أهمية من هذه القرارات، تتعلق في شكل وطبيعة دور الحكومات البرلمانية، ومجلس الأمة، وفق التصور الجديد.
لو ربطنا تلك التصريحات بالقرار الملكي، لوجدنا أن الملك بدأ فعلياً بتطبيق الأفكار على أرض الواقع، فالسلطة الخفية للمخابرات، وبعض الأجهزة، والتي شكلت عائقاً أمام الإصلاح، آن آوان فصلها، وتحديدها وفق برامج معينة، ولا سيما وأنها تعتمد في سيطرتها على سياسة الإمساك بكامل خيوط الوضع السياسي الداخلي، بدايةً من الترشيح لمنصب رئيس الحكومة والوزراء، مروراً بالأعيان، وليس نهاية بالنواب.
جاء هذا الدور نتيجة تخوف الأجهزة الأمنية، من أن التعديلات الملكية، قد تعمل على جلب حكومات إخوانية، أو حكومات بأجندات خارجيةٍ، خارج سيطرتها، تطالب بالولاية العامة كاملة، بحماية رئيسٍ مدعوم من حكومة برلمانية، تفرض سلطتها وحقها في تعيين مديري الأجهزة، وتحديد برامجها بما يتناسب وسياستها، باعتبار ذلك حقاً مشروعاً كفله لها الدستور.
هذه التخوفات قادت الملك إلى إرسال رسائل تطمئن الأجهزة الأمنية، ألا تخافوا ولا تنزعجوا من هذه التعديلات، لأنها بيدي، وأنا من أتحكم بخيوطها، ولن أسمح لأي قادم بالتغول عليها، حتى وإن كان رئيساً لحكومة برلمانية.
من هذا المنطق، وللحيلولة دون الوصول إلى هذه النتيجة، وجد الملك أن التعديلات التي يفكر بها، لن تتم إلا بطمأنة الأجهزة الأمنية على أساس حمايتها وإبعادها وتنزيهها عن الصراعات والتجاذبات السياسية بين السلطات.
وهناك من يعتبر الخطوة بمثابة طريقة تخضع الملك للمساءلة، يعتقدون أن الملك إلهاً مقدساً، لا إنساناً يخطئ ويصيب؟ هل من الممكن الاكتفاء بالنظر إلى الوجه المظلم، من دون النظر إلى الجانب المشرق للتعديلات؟ ألم يطالب الملك بالتعديلات، لأهميتها في تدعيم سلم الإصلاح، ويعي نتائجها، السلبية قبل الإيجابية منها!
وعليه، يمكن القول إن القفزة التي يعتبرها بعضهم في الهواء، هي وسيلة لإعادة التموضع على الأرض، للتأسيس لمرحلة جديدة، تسهم بالتعاون، لا التغول، بين الأجهزة الأمنية والحكومة، بحيث تكمل أضلع المربع، بما يخدم مصلحة الأردن العليا، قد تكون الخطوة مثيرة للجدل، لكنها في الاتجاه الصحيح، وضرورية، وتحتاج إلى وقت ونقاش كثيرين، للخروج بها إلى بر الأمل المنشود.