عن الاحتجاجات الرقمية في المغرب

عن الاحتجاجات الرقمية في المغرب

06 ديسمبر 2018
+ الخط -
تنتشر في السنوات الأخيرة مئات الصفحات والصور والفيديوهات على مواقع حسابات المغاربة في شبكات التواصل الاجتماعي. وتقدِّم محتويات ما ذكرنا جملة من المواقف الاحتجاجية المتعلقة بظواهر كثيرة في مجتمعنا، ومحيطنا السياسي والثقافي، من قَبِيل الظلم والرشوة والفساد والمحسوبية.. إلخ.. بهدف تشخيص الفوارق الاجتماعية المتزايدة داخل المجتمع المغربي ونقدها. الأمر الذي يكشف، بجلاء، أننا أصبحنا، بفضل تطور تقنيات التواصل، أمام فضاء جديد ينخرط فيه فاعلون جُدُد، ليمارسوا داخله أشكالاً من التعبئة السياسية. 
تضعنا صور التواصل والتفاعل القائمة اليوم في الفضاء الشبكي أمام صور جديدة من الوعي والعمل الدَّالّين على جوانب من تحولات الوعي السياسي لدى المنخرطين في هذه الفضاءات، حيث نقف على بعض هواجسهم وتطلعاتهم السياسية والاجتماعية.
ينفتح الفضاء الشبكي في ثقافتنا، مقارنةً مع الإعلام المكتوب، على أشكال كثيرة من التعبير الحر، ونقاشٍ كثير في قضايا المجتمع المغربي. وإذا كان مؤكّدا أن طبيعة التعبيرات المقدّمة 
في هذا الفضاء لا تسمح لنا بالحديث عن درجة التطوُّر السياسي الحاصل في مجتمعنا، إلا أن اللافت أن بعض صفحات هذا الفضاء، كصفحة "كفاح" التي يشترك فيها حوالي مليون ومائتي ألف شخص، وصفحة "الشعب يريد"، وهما من الصفحات التي يتواصل فيها من دون انقطاع تنديد المنخرطين ببؤس المغاربة ومعاناتهم.
تعكس صور الاحتجاجات السياسية والاجتماعية الجديدة، في فضاءات التواصل الاجتماعي، كثيراً من مظاهر التحوُّل في الوعي السياسي العام في بلادنا. وتكشف جوانب من المساحة التي تزداد اليوم اتساعاً، بين مؤسسات العمل السياسي المعروفة ومجموعات من الفاعلين الجدد الذين يقفون خلف مواقع الشبكات الرقمية. إننا أمام أنماط جديدة من الفعل السياسي مرتبطة
 بتحولات القيم، في مجتمعٍ يتغير بإيقاع يستوعب كثيراً من مزايا المجتمع الشبكي. وهكذا، ومنذ تفاعلات شباب "20 فبراير" في العام 2011، مع فعل الثورات التي حصلت في بعض الأقطار العربية، أصبحنا أمام ظاهرةٍ جديدةٍ تتمثل في الجيل الجديد من الاحتجاجات العديدة التي عرفها المجتمع المغربي. صحيحٌ أن بلادنا عرفت قبل ذلك، صورا أخرى من التظاهر والاحتجاج، إلا أن زمن انفجارات 2011 الذي أدى إلى وصول تيار الإسلام السياسي إلى دواليب الأجهزة التنفيذية، أطلق سلسلة أخرى من الاحتجاجات المتواصلة، حيث انتقلنا من حراك الريف إلى احتجاجات جرادة في المغرب الشرقي، إلى احتجاجات تلاميذ المدارس، أخيرا، والتي تروم إسقاط التوقيت الصيفي، المرتبط بقرار حكومي يهدف اعتماد التوقيت الصيفي طوال السنة (غرينتش + ساعة)، الأمر الذي ولَّد ردود فعلٍ عكست ملامحها الأولى فضاءات التواصل الرقمي، لتنتقل، بعد ذلك، إلى فضاءات المدارس والمدن والقرى في مجموع التراب المغربي.

يحق لنا أن نتساءل، ونحن نتابع أنماط الاحتجاجات الرقمية التي تتدفق يومياً بغزارة، هل تقطع هذه الاحتجاجات الرقمية مع احتجاج الميادين، أم أنها تمهد لمعارك جديدة؟ يمكن أن نلاحظ أن أغلب هذه الاحتجاجات تُمَارَس، كما أشرنا، خارج آليات التعبئة السياسية التي تشرف عليها، في العادة، تنظيمات المجتمعيْن، السياسي والمدني. يمارسها طرف من طرف فاعلين جُدد، إلا أنه لا يمكن القول إنها، في كثير من تجلياتها، منفصلة عن أعين بعض تنظيمات المجتمع السياسية والنقابية والجمعوية وخياراته، وعن عمليات التحاق بعض ممثلي هذه التنظيمات بها، بل وانخراط بعضهم أيضاً في أشكال التطور التي تعرفها، وكذا رفض بعضهم الآخر لها جملة وتفصيلاً.. يتجاوز التنوع والاختلاط الحاصل اليوم في موضوع الاحتجاج داخل الفضاء الرقمي أشكال التأطير المؤسسي للأحزاب والمنظمات المدنية والنقابات، تنتقل من فعل مؤطر قانونياً إلى فعل سمته الأساس توسيع درجات الانتشار. ويمكن أن يضاف إلى ذلك حصول كثير من صور التناقض والتداخل في المواقف والصور داخل فضاء الشبكات، حيث أصبح يصعب التمييز بين المعطيات الواقعية والمصطنعة.
نفترض أن تساهم الاحتجاجات الرقمية في توسيع فضاءات المجتمع المدني، من أجل تسهيل سبل الحوار والتواصل مع الدولة ومؤسّساتها، بهدف بلوغ الأهداف المعلنة في شعارات الاحتجاج، إلا أن هذا الافتراض المتعلق بضرورة التأطير المنظم يقتضي، أولاً وأخيراً، الإيمان بضرورة مأسسة الوسائط الاجتماعية، ومأسسة ما يدور داخلها.
تدفعنا مراقبة واعية للأدوار التي أصبحت تقوم بها أنماط الاحتجاج الرقمي إلى التساؤل: هل تحولت شبكات التواصل ومواقعه إلى فاعل سياسي؟ وإذا كنا نعرف أن الفاعل السياسي في المجتمعات الديمقراطية على وجه العموم يتمثل في أحزاب الأغلبية الحكومية، والأحزاب المعارضة لها، حيث تنحصر دينامية الفعل السياسي في أشكال التعبئة وصورها من أجل موقف أو حركة أو فعل سياسي، فهل نستطيع القول اليوم إن العالم الرقمي، بشبكاته واحتجاجاته، أصبح يساهم في صناعة الرأي العام؟
C0DB4251-3777-48D1-B7F6-C33C00C7DAEB
كمال عبد اللطيف

محاضر في جامعات ومؤسسات بحث في المغرب وخارجه، عضو في لجان جوائز ثقافية في مراكز بحث وجامعات عربية. يساهم في الكتابة والتدريس الجامعي منذ السبعينيات، من مؤلفاته "درس العروي، في الدفاع عن الحداثة والتاريخ" و"الثورات العربية، تحديات جديدة ومعارك مرتقبة".