عن الإدمان الإلكتروني

عن الإدمان الإلكتروني

16 مارس 2019
+ الخط -
كانت الحقبة الزمنية قبل ثورة التكنولوجيا آخر حقبة زمنية يعيشها البشر بشكل طبيعي، أي أنها حقبة بعيدة نسبيا عن الغزو التكنولوجي، وسيطرة برامج الإنترنت على مفاصل الحياة، سيطرة مطلقة بلا منازع، إذ كان البشر في أوقات فراغهم، وعند شعورهم بالضيق والملل؛ يتسكعون في الحي أو المدينة مع أصدقائهم، كي يستعيدوا نشاطهم وحيويتهم. أما في يومنا هذا، فقد سيطرت البرامج الإلكترونية والأنترنت على عقول البشر، وباتوا سجناء في منازلهم، خلف الشاشات، معظم وقتهم، ولم يعد التسكع محصوراً في أوقات الفراغ، بل أصبح يشغل كل الأوقات.
التسكّع الإلكتروني عدو خفي للإنسان، فهو يحارب الإبداع، ويقتل الطاقات، ويبدّدها في أشياء سطحية لا تسمن ولا تغني من جوع، فالوقت الذي يهدره الإنسان في التسكع الإلكتروني، هو حق لأسرته ومجتمعه وذاته، والشخص الذي يتسكع عبر الأنترنت لا يشعر بقيمة الوقت الذي يضيع منه، ويهدر في وسائل التواصل التي أدمن عليها.
من أهم أضرار التسكع الإلكتروني، قتل الوقت بلا فائدة، ومن دون جدوى، فالمدمن إلكترونيًا لا يستطيع إلا الدخول إلى الإنترنت في كل دقيقة، وكأنه سيموت إن لم يدخل ويتنقل بين البرامج واحدًا تلو الآخر. وهذه البرامج أصبحت لا تعد ولا تحصى، بسبب كثرتها وتنوعها، ومعظمها يحمل نفس الهدف والغاية في قتل الوقت دون إنتاج شيء يفيد الشخص أو الأسرة أو المجتمع.
ومن أضرار التسكع أيضًا خمول الفكر وقتل الإبداع، فالإنسان يشغل فكره وعقله بأشياء سطحية، لا تتعدى البحث عن صداقات وعلاقات حب وتسلية في برامج من خصائصها هذه الأمور التي تجذب الشباب والبنات إليها، ولا تنسى الأضرار الأخرى، مثل الانعزال والابتعاد عن الأهل والجيران والتعب الجسدي من إرهاق وتعب مصاحب للعيون والجسد بشكل عام، وأهم ضرر قد يصيب المجتمع هو التأخر العلمي والثقافي بالنسبة للطلاب.
أمر خطير، ويجب وضع حلول وخطط لمحاربته والحد منه قدر المستطاع، فللأسرة دور كبير في ذلك، من خلال التوجيه والنصيحة والمتابعة المستمرة للأطفال في المنزل وإشغالهم بأمور أخرى أكثر فائدة، بحيث يقومون بالرحلات والزيارات في أوقات الفراغ، ووضع برامج لهم في المنزل، ومتابعتها بشكل فعال، وأيضًا يقع على عاتق المدارس والمعلمين مهمة توجيه الطلاب وتنبيههم بشكل علمي، على خطر وضرر الإدمان الإلكتروني ومحاولة وضع برامج بديلة تشغلهم في المنازل، من خلال واجبات وأبحاث عبر الأنترنت، بحيث يكون استخدامهم له مفيدا.
كل إنسان يستطيع النجاح إذا عقد العزم والهمة نحو أمر ما، ولا يوجد شيء مستحيل في الحياة. لذلك لا تقل "لا أستطيع الابتعاد عن الأنترنت"، ولا تجعله يتحكم في حياتك، ويسيطر عليها، بل كن أنت المسيطر والمتحكم في حياتك ووقتك.
C485E53A-04C1-4639-A2DC-C400BB35D0B7
C485E53A-04C1-4639-A2DC-C400BB35D0B7
مصطفى طه باشا (سورية)
مصطفى طه باشا (سورية)